طلب الرئيس في الحكومة الإيرانية حسن روحاني التحقيق في “مؤامرة” نشر التسجيل الصوتي العائد لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، والذي أثار تسريبه جدلا داخليا واسعا في ظل ما تضمنه من حديث عن دور واسع للعسكر في دبلوماسية الجمهورية الإسلامية.
وتطرق ظريف في تسجيل نشر الأحد في وسائل إعلام خارج إيران قبل أن ينتشر على نطاق واسع، عن دور وازن في السياسة الخارجية أداه اللواء قاسم سليماني الذي اغتيل بضربة جوية أميركية في العراق العام الماضي.
ولقي نشر التسجيل الذي يأتي قبل أقل من شهرين على الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وفي ظل مباحثات مع القوى الدولية الكبرى لإعادة إحياء الاتفاق حول برنامج طهران النووي، انتقادات من السياسيين المحافظين المعارضين لحكومة الرئيس المعتدل روحاني وتصدّر الصفحات الأولى لغالبية صحف الثلاثاء.
وفي مؤتمره الصحافي الأسبوعي، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي إن روحاني طلب تحقيقا أمنيا في التسريب.
وأوضح “نعتقد أن سرقة المستندات هي مؤامرة ضد الحكومة الإيرانية ، النظام (السياسي للجمهورية الإسلامية)، نزاهة المؤسسات المحلية الفاعلة، وأيضا مؤامرة على مصالحنا الوطنية”.
وأضاف “أمر الرئيس وزارة الأمن (الاستخبارات) بتحديد الضالعين في هذه المؤامرة”، معتبرا أن “ملف مقابلة السيد ظريف، ولأسباب واضحة (…) تمت سرقته ونشره من قبل أشخاص يجري تحديد هوياتهم”، من دون ايضاح هذه الأسباب.
أثار التسجيل الممتد لنحو ثلاث ساعات جدلا منذ نشره مساء الأحد، اذ يتحدث فيه ظريف عن قضايا عدة من أبرزها الدور الواسع لسليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري، في السياسة الخارجية، وحديثه عن أولوية نالها “الميدان” على حساب الدبلوماسية.
ولم ينف المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده صحة التسجيل، لكنه أكد الإثنين إنه اقتطع من حوار مدته سبع ساعات غير مخصص للنشر، وتضمن مواقف “شخصية” لظريف الذي يشغل منصبه منذ تولي المعتدل روحاني الرئاسة عام 2013.
ولم يعلق ظريف مباشرة على الجدل، لكنه نشر الثلاثاء تسجيلا صوتيا مقتضبا عبر حسابه الرسمي على إنستاغرام.
ويقول ظريف في التسجيل “أعتقد انه لا يجب أن تعمل من أجل التاريخ (…) أقول إنني لا أقلق كثيرا من التاريخ، بل ما يثير قلقي هو الله والشعب”.
كما وزعت الخارجية عبر قناتها على تطبيق “تلغرام”، شريطا مصوّرا يتضمن لقطات لظريف وسليماني معا، مرفقا بتعليق قالت الوزارة إنه من التسجيل.
وجاء في التعليق “كلما رأيته (في إشارة لسليماني)، كنت أعانقه وأهمس في أذنه: فالله خير حافظ. أعتقد أن بلادنا تلقت ضربة كبيرة بعد رحيل الشهيد سليماني (…) هذه هي معتقداتي، وقلتها وصرّحت بها في كل مكان، حتى في الاجتماعات الخاصة”.
– تنوع الآراء –
سعى ربيعي في مؤتمره الى التقليل من شأن التباينات بين مختلف الضالعين في نسج السياسة الإيرانية، مشيرا الى أن ذلك يظهر “دينامية” في اتخاذ القرار.
وقال “هذه الاختلافات لا تقتصر على وزارة الخارجية”، مضيفا “في نهاية المطاف، شبكة من الآراء المختلفة ومؤسسات اتخاذ القرار تتوصل الى سياسة موحدة في كل المجالات”.
وأثار التسريب انتقادات سياسيين ووسائل إعلام محافظين، لا سيما وأن تصريحات ظريف طالت سليماني الذي يعد من أبرز مهندسي السياسة الاقليمية الإيرانية، ويحظى بمكانة كبيرة خصوصا بعد مقتله في ضربة جوية أميركية في العراق في مطلع العام 2020.
ووجهت الصحف المحافظة اليوم، انتقادات لاذعة لظريف، بينما سألت الإصلاحية عن مصدر التسريب وغاياته.
ونشرت “وطن امروز” المحافظة على صفحتها الأولى صورة كبيرة لظريف بالأبيض والأسود، مع عنوان باللون الأحمر هو “حقير” (بالفارسية، وهي أقرب الى “الدنيء” بالعربية).
وكتبت “يزعم ظريف أن انجازات أو قدرات المفاوضات والدبلوماسية تم منحها الى ’الميدان’، علما بأنه يجدر بالدبلوماسية أن تتبع مسارا لزيادة قوة النظام (السياسي لإيران)”.
من جهتها، اعتبرت صحيفة “كيهان” أن “تعليقات كهذه توفر معلومات وذخيرة لحرب العدو النفسية (وتتيح له) أن يعرف أين يضرب، وأي تشققات وأي تباينات محتملة يركز عليها، وكيفية التأثير في معركة الرأي العام”.
أما صحيفة “جوان”، فقارنت بين التصريحات، واغتيال سليماني بأمر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
ورأت أن سليماني “اغتيل جسديا بناء على أمر” من ترامب، “لكن وزير خارجية بلادنا، بزعمه هذه الأمور لأسباب غير معروفة، اغتال شخصيته”.
من جهتها، سألت صحيفة “شرق” الإصلاحية على صفحتها الأولى عن مصدر التسريب. وكتبت “من سرّبه، من استفاد؟”.
وأضافت “شكاوى ظريف المضمرة من الثنائية بين الميدان (العسكري) والدبلوماسية لا ترسم صورة وزير خارجية قوي ومستقل قادر على أن يصبح رئيسا قويا ومستقلا للدولة”.
وألمحت صحف ومحللون محليون الى وجود رابط بين تسريب الشريط، والانتخابات الرئاسية المقررة في 18 حزيران/يونيو لاختيار خلف لروحاني الذي أتم ولايتين في منصبه ولا يحق له الترشح مجددا.
ونقلت صحيفة “اعتماد” عن المحلل الإيراني عباس عبدي قوله إن التسريب “لن يؤثر على السياسة الداخلية، لكن نتيجته بالحد الأدنى ستكون بالتأكيد عدم ترشح ظريف الى الانتخابات”.
وعلى رغم نفي ظريف في أحاديث صحافية نيته الترشح، يرى بعض المحللين أنه قد يقدم على هذه الخطوة، خصوصا في حال عدم تمكن السياسيين المصنفين محافظين، من الاتفاق على اسم موحد لخوض الانتخابات.
وأتى تسريب التسجيل في ظل خوض طهران والدول التي لا تزال منضوية في الاتفاق النووي لعام 2015، مباحثات في فيينا للبحث في إعادة إحياء الاتفاق المتداعي منذ انسحاب الولايات المتحدة أحاديا منه في العام 2018.
وتستأنف الثلاثاء في العاصمة النمسوية فيينا جولة ثالثة من هذه المباحثات