بلادنا في أزمة ليس في ذلك شك ، وأسباب كل أزماتها وأزماتنا منذ الاستقلال وحتى اليوم هي الصّراع على السلطة ، وبغض الآخر ، وإقصاء الخصوم ، والإنفراد بإتخاذ القرار ، حتى وإن كان هذا القرار مصيرياً يترتب عليه الكثير من النتائج .
الحكومة الإنتقالية الحالية ، جاءت من رحم أزمة كبيرة ، ودخلت في دوامة أزمات أكبر ، كان من الممكن تفاديها كلها ، لو تم الإلتزام الحق بتنفيذ الوثيقة الدستورية ، ولو لم يتم إقصاء القوى السياسية التي كانت جزءاً من إعلان قوى الحرية والتغيير ، والقوى الأخرى التي شاركت في الفعل الثوري ، بمزاعم منها الصحيح ومنها المُخْتلَق أو المُخْتلَف حوله وعليه .
الآن تعاني بلادنا من إنقسامات تهدّد وحدتها كلها ، ولا تهدّد التحالف الهش بين المكونين العسكري والمدني ، ولا التحالف الأكثر هشاشة بين مكونات القوى السّياسيّة التي تصطرع الآن وتتسابق نحو المكاسب الحزبية ، والتمكين السّياسي والسيطرة على مفاصل الحكم والدولة .
للأسف الشديد هذا الذي يحدث تسبّب فيه أعضاء في الحكومة على مستويات السيادة والسلطة التنفيذية ، وبعضهم للأسف لا يعبّر عن الثورة ولا عن الثوار ، بل يعبّر عن راسمي ومخططي السياسات في ما وراء البحار ، مثلما يعبّر بعضهم عن حاضنة عقائدية عالمية تتوزع على عدد من العواصم ، ومع ذلك نجد هؤلاء وأولئك يهاجمون الجميع بلا إستثناء ويتهمونهم بالخيانة والتآمر على الحكومة المدنية وشق صفّها ، وهو ما يثير العجب ويفجّر براكين الغضب في نفوس المواطنين الذين تكشفت لهم الحقائق كاملة متجردة ، بعد ذاقوا مرارة الحرمان ، وضيق العيش .
الخروج من هذه الأزمات يتطلب قراراً سريعاً ، حتى لا تتفاقم الأوضاع وتتردّى أكثر مما تردّت ، وهو العودة السريعة للوثيقة الدستورية والإلتزام بما جاء فيها ، وتكوين مؤسّسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية ، دون الإلتفات إلى الوراء ، مع تحديد مهمة الحكومة الإنتقالية في تنفيذ مطلوبات التأسيس لتلك السلطات ، والتي هي أساس الحكم المدني ، وتكوين مفوضيّات الإنتخابات ومكافحة الفساد ، وغيرها ، حتى لا نعيش في عصر الفوضى ، ولا نجهض أحلام شعبنا في دخول المستقبل عن طريق أبواب عصر النهضة .
الحل المطلوب الآن هو الحل .. أي حل الحكومة الإنتقالية الحالية ، والإعلان عن تكوين وتشكيل حكومة جديدة ، حكومة تكنوقراط أو خبراء مختصّين لتسيير أعمال الدولة حتى مرحلة الإنتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة ، على أن تكون برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك ، الذي يجد قبولاً من كل القوى السّياسيّة ، حتى تلك التي قامت ضدها ثورة الشّباب المختطفة ، فهي التي رشّحته من قبل لوزارة المالية في آخر عهدها لمعرفتها بقدراته وإمكانياته وعلمه الذي كان يمكن أن يخرج ببلادنا من هذه الورطة ، لو تركه الآخرون يعمل دون إقحامه في وخصوماتهم غير المُجدية ، وأما مجلس السيادة الوطنية فلابد من إدخال بعض التعديلات في تكوينه ، خاصة جانب المكوّن المدني ، وأن يتم تحديد الاختصاصات والمهام بأعجل ما يمكن ، وألّا فإن الخراب ينتظرنا وينتظر الوطن .