الذين يتحدثون عن المدنية ويتهربون من الانتخابات فما أعجب ذلك!


مصطفى الجيلي خواجة

يا شباب الثورة أعلن الحزب الشيوعي أن قيام الانتخابات في ظل (الانقلاب) أمر مرفوض، وبرر الحزب رفضه بأن الانتخابات لها مطلوبات تتمثل في تحقيق السلام وعقد المؤتمر الدستوري واستكمال هياكل السلطة الانتقالية بما فيها مفوضيات الدستور والانتخابات، ثم إجراء تعداد سكاني. وقال كمال كرار عضو اللجنة المركزية بالحزب الشيوعي في تصريحات صحفية إن الضباط الشرفاء سيغيرون المشهد ويسلمون السلطة للمدنيين. ولعل القراء يتفقون معي بأن العبارات الأخيرة لا ينبغي أن تصدر من سياسي صاحب خبرة وقيادي في حزب قديم إلا إذا كان في حالة نفسية (غير عادية) هذه واحدة. ثانياً: الدولة المدنية وما أدراك ما المدنية ظلت الفئة القليلة التي تبقت في (قحت) أو بالتحديد بعض قيادات (الأربعة) يحاولون في الفترة الأخيرة خداع الشباب وتضليلهم بمعلومات كاذبة مثل أن العسكر حكموا البلاد بانقلابات على حكومة ديموقراطية والتاريخ الحقيقي يؤكد أن ما سمي انقلابات كانت تديرها الأحزاب – كل أحزابنا دبرت أو شاركت في أحد الانقلابات، بل حتى خرق الدستور في إحدى المرات العديدة كان ضحيته الحزب الشيوعي حتى طردته الأحزاب الاتحادية والأمة وغيرها من البرلمان رغم أنف قرار المحكمة الدستورية وها هو الحزب اليوم يشكو من حكم العسكر. المدنية وما أدارك ما المدنية: يقول توماس هوبز وجون لوك من فلاسفة العقد الاجتماعي إن المجتمع السياسي (الدولة) تنشأ استناداً على عقد أبرمه الناس في ما بينهم وذلك هو العقد الاجتماعي، والذي يلخص معنى (الإنابة عن الشعب) عبر البرلمان وأن أصل قيام أنظمة الحكم أن تؤسس على عقد اجتماعي وفيه يعتبر الشعب هو أساس السلطة حصرياً حيث يتنازل الأفراد عن جميع حقوقهم ورغباتهم لصالح المجتمع لتحقيق السلام والاستقرار والنظام والأمن وعلى أساس ذلك العقد الاجتماعي يحدث تداول السلطة في كل الدول الديمقراطية ولا يوجد للحكم المدني الديمقراطي بخلاف صناديق الاختراع فإن من ينادون بتسليم السلطة بالكامل للمدنيين خلال فترة الانتقال فإنهم إما جاهلون أو أضلهم اللـه على علم وفي كل الحالتين مصيبة. أما الذين يتحدثون عن الانقلاب على الوثيقة الدستورية هم أول من انقلبوا عليها باستبعاد أكثر من سبعين مكوناً من الأحزاب ومنظمات مجتمع مدني ولجان مقاومة واستأثرت بالسلطة أربعة أحزاب وأصبحت هي التي تقدم الترشيحات للمناصب التنفيذية من الوزراء والولاة وغيرهم عبر ما يسمى بالمجلس (المركزي) للحرية والتغيير بدلاً من تقديم تلك الترشيحات بواسطة اللجنة الفنية للحرية والتغيير التي تواثقت على تشكيلها ومهامها كل المكونات التي وقعت على الوثيقة الدستورية مما أدى لاحتجاج اللجنة لدى المجلس السيادي وكما هو معلوم فإن الأحزاب الأربعة انتهزت الفرصة ومكنت منسوبيها في مفاصل الدولة فضلاً عن تمكنها مالياً والمعروف أن عملية سطو (الأربعة أحزاب) وانفرادها بالقرار، بل الحكم طوال السنتين الماضيتين قوبل بالرفض والاحتجاج من بقية المكونات والتي تشكل أغلبية في الحرية والتغيير وأن بقية المكونات التي تم استبعادها قد لجأت للمجلس السيادي خاصة المكون العسكري والذي طالما عانى من تعنت قيادات الأحزاب الأربعة وبعدها أيد المكون العسكري الدعوة للرجوع لمنصة التأسيس باللقاء الحاشد الذي شهدته قاعة الصداقة وأعقب ذلك تجمع تلك الأحزاب والكيانات بساحة القصر الجمهوري والذي طالب دكتور حمدوك رئيس الوزراء باستقالة حكومته وإعادة تكوينها من مستغلين على أساس الكفاءة وعدم الانتماء الحزبي (تكنوقراط) إلا أن المجلس المركزي للحرية والتغيير (قائد الانقلاب المدني) رفض رفضاً قاطعاً استقالة الحكومة، بل وإن الناطق الرسمي للحرية والتغيير ذكر عبر تصريحات صحفية (أن حمدوك لا يملك قرار حل الحكومة) وأمام هذه الأزمة السياسية الحادة لم يكن أمام القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول البرهان مفراً من إعلان قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر وهي قرارات تصحيحية كما قال ذلك البرهان من أجل أمن وسلامة واستقرار البلاد في ظل ظروف داخلية وإقليمية معقدة جداً إضافة لاستهداف البلاد من جهات خارجية وبمعاونة جهات داخلية للأسف العميق (خلق الفوضى الخلاقة). وفي قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر (قطعت جهيزة قول كل خطيب) وأسكتت اللغو والشائعات والاتهامات للعسكر بمحاولة الانفراد بالسلطة فإن قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر هي الطريق لبناء الدولة المدنية وعبر الوسائل الشرعية وصندوق الانتخابات والدعوة للاستعداد للانتخابات فإن تلك الدعوة قد أفزعت الأحزاب الأربعة وكشفت نواياهم بأنهم هم الذين يتربصون للانقضاض على السلطة والاستبداد والانفراد بالحكم لسنوات وسنوات ويحاولون تضليل الشباب بأن ما حدث من إجراءات تصحيحية هو انقلاب عسكري ويروجون عبر الأسافير من أن العسكر هم الذين أخروا البلاد من خلال حكمهم البلاد لأكثر من خمسين عاماً من عمر الاستقلال وهذه بالطبع مغالطة مفضوحة لأن المدنيين كما أسلفنا هم الذين خططوا ونفذوا الانقلابات العسكرية عبر خلايا زرعوها في القوات المسلحة وتتكون من عدد بسيط من صغار الضباط وكما هو معلوم يا شباب الثورة فإن اليساريين في قيادة الحزب الشيوعي هم الذين خططوا ونفذوا انقلاب مايو 1969م والذي استمر لستة عشر عاماً ثم انقلاب الإسلاميين في يونيو 1989م والذي استمر لثلاثين عاماً أما الجيش السوداني المفترى عليه لا سيما من أصحاب الأجندة والولاءات الخارجية فإنه بري من الانقلابات على الحكم المدني، بل إن الانقلابيين يستهدفون في المقام الأول قيادات الجيش، بل اعتقالهم وزجهم في المعتقلات ثم إحالتهم للتقاعد ويشمل الاستهداف كبار الضباط من رتبة العميد فما فوق وإحالتهم جميعاً للتقاعد (مذبحة القوات المسلحة). أما قيادات الجيش السوداني فقد تسلمت إدارة الحكم في البلاد في عام 1958م ليس بانقلاب عسكري وإنما بعملية تسليم وتسلم من قبل رئيس الحكومة المدنية الراحل عبد اللـه خليل الأمين العام لحزب الأمة آنذاك والذي أقنع قائد الجيش الفريق عبود باستلام السلطة نظراً للمهددات الأمنية التي تواجه البلاد وبالفعل تسلمت القوات المسلحة مهام الحكم وحكمت البلاد لست سنوات وتعد تلك الفترة هي أفضل فترة حكم مرت على البلاد منذ الاستقلال وحتى يوم الناس هذا حيث شهدت تلك الفترة نهضة تنموية مبهرة في كافة المجالات وعلى سبيل المثال لا الحصر تم إنجاز امتداد المناقل بمساحة 1.2 مليون فدان، خزان الروصيرص – مصانع الغلال بكل من القضارف وبورتسودان – مصانع الزيوت والصابون والتعليب والألبان والمدابغ وغيرها إنشاء شركة الخطوط البحرية السودانية – كبري شمبات – توسعة كبري النيل الأبيض بجناحين – مصنع الكناف لصناعة جوالات الخيش بالدمازين وغيرها من الصناعات الكثيرة. أما في مجال الخدمات فقد تم تشييد العديد من المستشفيات والمدارس والخطط الإسكانية بكافة مدن السودان وعلى سبيل المثال الخرطوم (2) والعمارات بنظام الصرف الصحي فضلاً عن إنشاء المساكن الشعبية للمدن الكبرى للبلاد وإدخال التلفزيون كأول دولة في أفريقيا وتمت كل تلك الإنجازات بموارد البلاد. وفي ظل انفتاح الفريق عبود على العالم قام بزيارة لأمريكا عام 1961م واستقبله الرئيس الأمريكي آنذاك جون كيندي بالبيت الأبيض وأراد أن يسمع من الفريق عبود المساعدات التي يطلبها فرد عليه الفريق عبود (من أنهم لا يحتاجون لشيء، وإنما تأتي زيارته من أجل صداقة الشعوب) فاندهش الرئيس الأمريكي لمستوى هذا الفهم من رئيس دولة في العالم الثالث وطلب من المخابرات إعداد دراسة عاجلة حول السودان فأخبرته المخابرات بأن السودان يشهد نهضة متسارعة وإذا دخل في السبعينيات لا نستطيع اللحاق به وتم التدبير للإطاحة بحكومة الفريق عبود وكانت أكتوبر وما أدراك ما أكتوبر.