نهى محمد الأمين
بالرغم من أنني من العامة المطلقة وليس لي دراية كبيرة بالسياسة ودهاليزها، إلا أنني استطعت أن أميز، ووببساطة، ما المقصود عندما كان والدي رحمه الله يردد دوماً بالإنجليزية، أن السياسة لعبة قذرة، فواقع الحال هذه الأيام هو أكثر ما يعبر عن قذارة السياسة، وكيف تتغير المواقف والآراء بين عشية وضحاها، وكيف تباع الضمائر بثمن بخس دراهم معدودة في مزايدات المناصب والكراسي، وكيف يفترق الأصدقاء ويتلون الأعداء كما الآباء، ويتصنعون الولاء عندما تقتضي المصالح ذلك،
المشهد السياسي السوداني الحالي في غاية التعقيد ومن الصعب التكهن بما تجلبه الأيام القادمات، فكل يبكي على ليلاه، قلب البرهان الطاولة بذلك الانقلاب المشؤوم وأظنه شخصياً يجتر حالياً مرارات الندم، فهو لم يتوقع ذلك الرفض الصارم من أولئك الأشاوس المرابطون في قلب الشوارع وتلك المسيرات الهادرة التي تؤكد له يومياً أنه واهم في تلك الأحلام المستحيلة لاستمرار الحكم الشمولي في السودان، وأن النسخ واللصق للتجربة (السيسية) مستحيل،،،
توقيع حمدوك للاتفاق أصاب محبيه وحلفاءه في مقتل، فمنهم من انقلب عليه إلى أقصى النقيض، ومنهم من وافقه واقتنع بمبرراته، ومنهم من فضل أن يتبنى موقف المتفرج ليرى إلى أي مآل تؤول الأمور.
قرأت بالأمس مقالاً لأحد المحللين السياسيين أورد فيه أن ثورة ديسمبر المجيدة ما كانت لتنجح لو لم ينحاز الجيش للشعب، حتى ولو استمر الاعتصام لسنوات، ولا شك أن كلامه سليم مئة في المئة، وأكبر دليل على ذلك مجزرة القيادة البشعة، ومن البداهة أن الحرب بين المسلحين والعزل ستنتهي لصالح المسلحين، وقد ضرب شبابنا مثالاً رائعاً للصمود والبسالة ومواجهة خطر الموت المحقق بصدور عارية، ولكن للأسف تم الفتك بهم في تلك المجزرة التاريخية، وذلك لأن الحرب كانت بين المسلحين والعزل،،
انحياز الجيش للشعب هو واجبه الذي أقسم عليه، فالجيش هو حامي الوطن وحامي الشعب، وأي منتسب للمؤسسة العسكرية يعرف أنه أدى القسم لواجب مقدس وليس لحماية الحكومات الديكتاتورية.
في ظل هذه الهرجلة الماثلة في المشهد السياسي هذه الأيام، وكل يدلي بدلوه، اقترح الكثيرون أن أسلم حل يكون في انقلاب على البرهان نفسه من ضباط أحرار من داخل المؤسسة العسكرية، ينتزعون منه الحكم ويحققون إرادة الشعب في تسليم السلطة للمدنيين، وهذا السيناريو يمكن أن يكون معقولاً إلى حد كبير إذا وجد مثل هؤلاء الضباط في الرتب العليا والصف الأول في المؤسسة العسكرية، وربما يكون هذا الأمل بعيداً لأن حكومة الإنقاذ أقصت غالبية، إن لم يكن جميع الضباط غير الموالين للنظام البائد، ولا أظن أنهم قد تركوا من بين القيادات والرتب العليا من يهمهم أمر هذا الوطن فعلاً ، فكل من كان يقف في وجه ذلك النظام او يكون حجر عثرة إزاء تمرير أجندتهم، تمت تصفيته او إقالته.
لك الله يا وطني