تتوقع السلطات المحلية في ولاية غرب دارفور في السودان وصول طلائع اللاجئين التشاديين إلى نقطتين حدوديتين، في أول تأثيرات الأوضاع بعد مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي الثلاثاء الماضي أثناء مشاركته في معارك ضد متمردين.
ومع توقعات اشتعال الحرب في تشاد بين حركات التمرد والجيش الحكومي سيكون تحدي الحكومة السودانية السيطرة على نحو 1280 كيلومترا من الحدود المشتركة بين تشاد وولايات دارفور الثلاث.
وهذه الحدود المفتوحة لن يحول انتشار قوات البلدين المشتركة عليها دون تدفق المتمردين في فرّهم وكرّهم ضد الجيش التشادي، كما أن ثمة مخاوف من نشاط ما توصف بالجماعات الدينية المتطرفة على الساحل الأفريقي الغربي وجنوبا بين حدود تشاد ونيجيريا والكاميرون.
وتتحسب الدول المجاورة للمشهد بعد غياب ديبي الذي أجاد لعبتي التوازنات والحروب في آن واحد مع الحركات المسلحة والجماعات المتطرفة.
قلق
ما إن قتل ديبي حتى أخذت مظاهر القلق تتبدّى رويدا رويدا في الدول المجاورة لتشاد التي تتوسط محيطا مضطربا ينتشر فيه السلاح مثله مثل أي سلعة.
وأصدرت كل من ليبيا والسودان والنيجر، الخميس، بيانا مشتركا بشأن الوضع في تشاد، ونصح قادة الدول الثلاث بإقامة حوار وطني بين الأطراف التشادية بعيدا عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.
وأبدت الدول الثلاث حرصها على تكثيف الجهود لدعم التعاون الأمني ومراقبة الحدود المشتركة، ودعت مجلس السلم والأمن الأفريقي إلى ضرورة عقد جلسة طارئة لاتخاذ خطوات وتدابير من شأنها تخفيف التوتر بالمنطقة.
وتأتي تحركات السودان وليبيا والنيجر بعد رفض تحالف المتمردين التشاديين ترؤس نجل ديبي “محمد كاكا” لمجلس عسكري انتقالي لـ18 شهرا وتوعده بغزو نجامينا.
تحركات سودانية
وتتأهب ولاية غرب دارفور لاستقبال لاجئين تشاديين؛ قال والي الولاية محمد عبد الله الدومة إن مجموعات منهم بدأت تتحرك بالفعل نحو منطقتي كلبس وبئر سلبية الحدوديتين.
وتوقع الوالي للجزيرة نت تأثر دارفور بما يحدث في تشاد خاصة إذا تدهورت الأوضاع الأمنية هناك ما يتطلب تحركات أمنية وإنسانية.
وعانت الجنينة -عاصمة غرب دارفور- من صراع قبلي أسفر عن مقتل العشرات وتشريد مئات الآلاف، واستدعى ذلك إعلان المدينة منطقة منكوبة.
وفي الخرطوم اتفق النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو حميدتي والمبعوث الفرنسي للسودان جان ميشيل دايموند، الخميس، على التنسيق من أجل استقرار الأوضاع في تشاد عقب مقتل ديبي.
وقال المبعوث الفرنسي -في تصريح صحفي- إن لقاءه مع دقلو تم بطلب من وزير الخارجية الفرنسي، وأضاف أن النموذج السوداني الناجح المتمثل في حكومة انتقالية مشتركة بين المدنيين والعسكريين يمكن أن يقدم على أنه نموذج ملهم للتشاديين.
كما بحث رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة بالسودان “يونيتامس” بيرتس فولكر، مع دقلو، تطورات الأوضاع في تشاد ومدى تأثيرها في السودان والمنطقة.
من خسر بمقتل ديبي؟
وتاريخيا طالما تشارك السودان وليبيا التأثير والتأثر بصراع السلطة في تشاد الذي اتسم دائما بالعنف المسلح، مع وجود سياسي وعسكري طاغ لفرنسا.
ويقول الصحفي السوداني المتخصص بالشؤون الأفريقية، عبد الله رزق، إن ديبي عاش في السودان وانطلق منه معارضًا للرئيس التشادي حسين هبري، بل إن أهم معاركه ضد سلفه دارت بدارفور.
ويشدد -في حديث للجزيرة نت- أن ديبي كان نصف سوداني “لحما ودما” إذ ربطته صلات رحم ومصاهرة بقيادات قوى سياسية وحركات مسلحة بالسودان، مثل رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم وزعيم قبيلة المحاميد موسى هلال.
ويصف رزق ديبي بأنه كان الراعي الرسمي للحرب في دارفور منذ عام 2003، فكل الحركات المسلحة التي هي الآن جزء من السلطة الانتقالية بالسودان نشأت برعايته.
ويضيف أن مقتل ديبي يمثل خسارة لحركات دارفور التي ظلت تنشط حربا وسلما بمعرفته، إذ جعل بلاده قاعدة خلفية لها، خاصة حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي قبل أن تنتقل إلى ليبيا عن طريق تشاد.
وعليه يرى رزق أن دقلو لم يكن حليفا لديبي بل كان حليفا للرئيس المعزول عمر البشير وحارب حركات مدعومة من تشاد، وبذلك يكون الخاسر الأكبر مناوي وجبريل.
غياب ديبي
ويرى الصحفي السوداني رزق أن غياب ديبي سيكون له تأثير أمني كبير في المنطقة، كما أن الأوضاع في تشاد بعد مقتله ستؤثر في الوضع الأمني الهش بدارفور.
ويصف ديبي بأنه كان شرطيا إقليميا له تدخلات أمنية مباشرة في دارفور وأفريقيا الوسطى، إذ دعم تمردا لرئيسها فرانسوا بوزيزي ومكنه من السلطة في 2003، وحتى بعد تنحيه عن السلطة لا يزال ديبي يدعم المعارضة المسلحة بقيادة بوزيزي.
ويشير إلى أن الرئيس المقتول إدريس ديبي كان يشارك أيضا في حرب تدور منذ نحو 10 سنوات، إذ تقود فرنسا تحالفا من 5 دول أفريقية ضد الجهاديين في الساحل الأفريقي، كما تشكل تشاد تحالفا مع النيجر ونيجيريا والكاميرون ضد جماعة بوكو حرام المتطرفة.
ويؤكد أن ديبي اضطلع بدور كبير في الأمن لمصلحة فرنسا وقوى كبرى أخرى تستثمر في النفط والذهب والماس بالمنطقة، وغيابه يعد تحدّيًا أمنيًا وسيخلف فراغا غالبا ستملؤه الجماعات المتطرفة والعاملة في تهريب البشر والمعادن النفيسة.
ويتابع “استطاع الرجل الحفاظ على بلده في محيط مضطرب في دارفور وليبيا والنيجر وأفريقيا الوسطى ونيجيريا والكاميرون. غيابه مأزق لتشاد وللدول الأخرى”.