أيّدت المحكمة العليا في السودان، أمس، حكم الإعدام بحق 29 من أفراد جهاز الأمن، أُدينوا بقتل معلم ثانوي تحت وطأة التعذيب في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، وهي القضية التي شغلت الرأي العام من بشاعتها، وأسهمت في تأجيج الاحتجاجات الشعبية ضد النظام حتى إسقاطه في أبريل (نيسان) 2019.
كان المتهمون قد تقدموا بطعن على قرار محكمة الاستئناف التي أيّدت الحكم الصادر من المحكمة الجنائية الخاصة بإعدام المدانين.
تفاصيل الحادثة
وتعود تفاصيل الحادثة إلى يناير (كانون الثاني) حين ألقت قوة من جهاز الأمن والمخابرات القبض على المعلم أحمد الخير وآخرين، خلال احتجاجات بمدينة حلفا (شرق السودان)، وعرّضتهم للتعذيب، ما أدى إلى موت الخير.
وحسب شهادة عدد من المعتقلين، فإن أحمد الخير تعرض داخل مقر جهاز الأمن «للتعذيب الشديد لساعات طويلة بالضرب بالأيدي والخراطيش وآلة صلبة».
وتحت ضغط الرأي العام الذي تفاعل بقوة مع القضية، أُجبر النظام المعزول على رفع الحصانة عن كل أفراد القوة التي شاركت في تعذيب المتهمين، وتقديمهم للمحاكمة.
وأصدرت المحكمة العليا أمراً نهائياً، أمس، بتأييد إدانة المتهمين من الرقم 1 حتى 27 والمتهمين 33 و37 بعقوبة الإعدام بحقهم. كما أيّدت إدانة 5 من المتهمين في القضية بتعديل حكم السجن بحقهم من 3 سنوات إلى سنتين، وبراءة 6 آخرين وإخلاء سبيلهم فوراً ما لم يكونوا مطلوبين في إجراءات أخرى.
وكان أولياء الدم في جلسة قراءة الحكم، في مواجهة المتهمين، التي جرت في 30 ديسمبر (كانون الأول) 2019، قد رفضوا العفو وطالبوا بالقصاص. ويشكّل حكم الإعدام سابقة قضائية في حق منسوبي جهاز الأمن الذي اتُّهم بارتكاب انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان في عهد الرئيس المعزول، تنوعت بين القتل والتعذيب والإخفاء القسري.
ويقول المحامي خالد سيد أحمد، إن أحكام المحكمة العليا لا تخضع للمراجعة بوصفها أعلى درجات التقاضي، قبل رفع الحكم إلى رئاسة الجمهورية للتوقيع على أحكام الإعدام. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه يجوز لرئيس المحكمة العليا، وهو رئيس القضاء، أن يشكّل دائرة من 5 قضاة لمراجعة أي حكم صادر منها إذا جاء مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
وسقط عشرات القتلى والجرحى إبان الاحتجاجات التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 2018، واتُّهم جهاز الأمن و«كتائب الظل» باستهدافهم. كما اعتُقل الآلاف في مقرات الأمن في الخرطوم والولايات.
وقوبل حكم الإعدام بارتياح كبير في الشارع السوداني الذي ظل يتابع هذه القضية، ويحث الأجهزة العدلية في البلاد على الإسراع في الفصل في كل القضايا التي تخص منسوبي جهاز أمن النظام المعزول ضد المتظاهرين.
وكان نائب الرئيس المعزول علي عثمان محمد طه، قد هدد المتظاهرين في لقاء تلفزيوني شهير خلال الاحتجاجات في مطلع يناير 2019، بأن نظامه تحميه «كتائب ظل» ومجموعات تدافع عنه وهي على استعداد للتضحية بالروح لحمايته.
ووثّق ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي بالفيديوهات والصور الانتهاكات الجسيمة والقمع الذي كان يمارسه منسوبو الأجهزة الأمنية ضد المحتجين على النظام المعزول، من اقتحام للمنازل ومطاردة للمتظاهرين والتعدي عليهم بالضرب والسحل في الشوارع.
ويمْثل عدد من أفراد جهاز الأمن حالياً للمحاكمة في مقتل عدد من المتظاهرين بعد التعرف عليهم من شهود عيان. ويُنتظر أن تشمل محاكمات قتل المتظاهرين البشير وقادة النظام المعزول المقبوض عليهم في سجن كوبر المركزي في الخرطوم بحري، على ذمة قضية انقلاب 1989.