والسودان لواشنطن ليس كمصر وليس كالمملكة العربية السعودية من حيث الأهمية الاستراتيجية الخادمة لمصالح الولايات المتحدة الواسعة. والسودان لا تجمعه علاقات عسكرية قوية بالبنتاجون، ولا يشترى أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات سنويا، ولا يوجد تبادل تجارى ذات شأن بين السودان والولايات المتحدة، ولا ترتبط النخبة العسكرية أو المدنية السودانية بواشنطن. ولا تتمتع الجالية السودانية داخل الولايات المتحدة بثقل انتخابى أو وزن اقتصادى ومالى كبير ليكترث بها صانعو القرار فى واشطن. ولا يعرف عن النظم السودانية المتعاقبة الاستعانة بشركات اللوبى والعلاقات العامة للتواصل والتأثير على صانعى القرار فى واشنطن كغيرها من الدول غير الديمقراطية التى لا تتردد فى إنفاق ملايين الدولارات لتلميع صورتها داخل دوائر ومراكز القوة فى واشنطن.
ولم تفرض إدارة بايدن عقوبات جادة على دول حليفة منتهكة لحقوق الإنسان، لأن لذلك البديل تكلفة سياسية كبيرة. وتكتفى واشنطن الآن بتوجيه انتقادات والعتاب إلى حلفائها بسبب سجلات حقوق الإنسان وغياب الممارسات الديمقراطية. فبايدن وكبار مساعديه هم أبناء المدرسة الواقعية فى إدارة السياسة الخارجية الأمريكية التى تنتصر فى النهاية لمصالحها ولو على حساب قيمها ومبادئها.
وفى الوقت ذاته، تستطيع الإدارة الأمريكية الإقدام على عكس ذلك فى الحالة السودانية، ويمكنها أن تنتصر للقيم والمبادئ على حساب ما يجمعها من مصالح بسيطة مع الخرطوم. وسبق أن ناصبت واشنطن نظام عمر البشير العداء لأكثر من 3 عقود، فقد صنفت الولايات المتحدة السودان دولة راعية للإرهاب عام 1993، وفرضت الكثير من العقوبات التجارية والاقتصادية مرتين عامى 1997 و2006، وخفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية، ورفض المسئولون الأمريكيون الاجتماع مع البشير لأكثر من عقد من الزمان، وعزلت واشنطن السودان فعليا عن العالم الغربى. ولن يكلف واشنطن الكثير العودةُ لنمط المقاطعة وفرض العقوبات كما فعلت لعقود مع النظام السودانى السابق