طالعنا في الأيام القليلة الماضية خبر يفيد بموافقة حكومة السودان الإنتقالية على دفع تعويضات مالية لأسر ضحايا المدمرة الأمريكية ” كول “، و يعتبر هذا احد الشروط الرئيسة التي وضعتها الإدارة الأمريكية على طاولة التفاوض مع الحكومة السودانية من أجل رفع اسم السودان من قائمة الدول الرعاية للأرهاب، وتأتى موافقة السودان بعد سنوات من الرفض، أّذ ظلت الحكومة السودانية السابقة تنكر مرارا اي صلة لها بتفجير السفينة الحربية الامريكية بالبحر الأحمر بداية الألفية الاولى.
وتعود بداية الأحداث حينما توجهت سفينة حربية امريكية، تدعى المدمرة كول الى خليج عدن للتزود بالوقود في الثاني عشر من أكتوبر 2000، قبل ان يقترب منها مركب صغير مخصص للصيد على متنة ثلاث أشخاص ولم تكد تمر دقائق حتى سمع انفجار قوي وهو الامر الذي أدى الى اصابة السفينة وتحطم الجزء الخلفي منها، واسفر الهجوم عن مقتل سبعة عشر واصابة نحو ستة وعشرون اخرون بجروح متفاوته، ليقوم بعدها تنظيم القاعدة بتبنى الهجوم، ألا ان السلطات الأمريكية وبعد تحقيق مكثف كشفت عن تورط الحكومة السودانية والتي كان على راسها الاخوان المسلمون والرئيس عمر البشير، لا سيما وان العاصمة الخرطوم كانت تحتضن وقتها زعيم القاعدة اسامة بن لادن.
وأدى هذا الهجوم الى توتر أكثر في علاقة الخرطوم بواشنطن،وظل شرط دفع تعويضات مالية لأسر الضحايا حجر عثرة فيما يتعلق بأي مفاوضات ثنائية بين البلدين.
وتأتى خطوة موافقة الحكومة الحالية للسودان بدفع التعويضات، اولا بمثابة اعتراف ضمني بتورط السودان في هذا العمل الارهابي، في الوقت الذي يرى فية بعض المحللون انه ليس هناك خيار اخر امام الحكومة السودانية سوى الموافقة على دفع هذه التعويضات حتى ولم يكن السودان متورط في الأمر، لأن حكومة حمدوك مجابهة بتحديات كبيرة في هذه المرحلة الانتقالية وتواجه واقع اقتصادي غاية في التعقيد، وينذر بعودة التوترات السياسية، خاصة وان فلول النظام ” المخلوع ” لا تنفك محاولة في تأنيب الشارع الساخط اصلا على الاةضاع الاقتصادية، ضد الحكومة الوليدة.
وبالتالي تعد الموافقة على دفع التعويضات لأمريكا، خطوة الى الأمام من شأنها تعجيل عملية رفع السودان من قائمة الأرهاب، وحكومة حمدوك في امس الحاجة الى ذلك لمعالجة الازمات الاقتصادية المتفاقمة.
والغريب في الأمر أن السلطات #السودانية التزمت الصمت حيال موافقتها على دفع التعويضات للأسر الأمريكية، وحتى الخبر تم تداوله في البداية على مواقع ووكالات غير سودانية، تماما مثل ما حدث مع لقاء رئيس المجلس السيادي عبدالفنتاح البرهان ورىيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطوة تكشف عدم التنسيق بين مؤسسات الدولة السودانية، وغياب الشفافية من جهة أخرى.
وتطرح موافقة الحكومة السودانية على دفع تعويضات، باب الاسئلة حول طريقة ومواقيت الدفع، لا سيما وان مبلغ التعويض “30 مليون دولار ” يعد مبلغ كبير لاقتصاد منهك جدا يعاني من التضخم وشح السيولة النقدية الأجنبية، وبالتالي فان السلطات في الخرطوم باتت ملزمة بالقاء المزيد من الايضاحات للوسائل الاعلام المحلية وللشارع السوداني، عن الاستراتيجية المالية التي سوف تتبعها حيال التعويضات، بحيث لا يؤثر ذلك على سيادة واستقلالية البلاد، وألا يتم تمرير أجندة أمريكية تحت الطاولة.