وبدأت ملامح أزمة الدواء منذ يناير الماضي، عندما ألغى بنك السودان تخصيص 10% من حصيلة الصادرات غير النفطية، كانت توجه لاستيراد الدواء.
وفي سيناريو يعكس “تخبط” سياسات الدولة الفاشلة في كل القطاعات وخاصة في قطاع الدواء.. تقول الصيدلانية سماهر المبارك من تجمع الصيادلة المهنيين، إن الحكومة قررت في مارس إعادة العمل بتخصيص نسبة 10%، قبل أن تُلغى مرة أخرى بقرار من رئيس الوزراء.
وكلما مضى الوقت، كانت ندرة الدواء تزداد وتتسع في الخرطوم والولايات الأخرى، حتى بلغت ذروتها في مايو الماضي، بعدم توفر أغلب الأدوية الأكثر تداولا في الصيدليات، مما اضطر أصحابها لإعلان إضراب.
شح الأصناف
وبدأ الإضراب في 31 مايو الماضي، لكن في اليوم التالي تم رفعه بطلب من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، لتبدأ سلسلة من المشاورات بين شركاء قطاع الدواء من مصنعين ومستوردين وأصحاب صيدليات لحل المشكلة.. لكن دون فائدة.
وأثناء هذه المحاولات لاحتواء شحّ الأدوية، يعاني السودانيون في الحصول على الوصفات الطبية. وبات تداول منشورات وتغريدات تتعلق بالاستفسار عن الأدوية، أمرا متداولا على منصات التواصل الاجتماعي.
رفوف الصيدليات في السودان خلت من أغلب الأدوية
وبحسب رانيا مأمون مديرة المؤسسات الصيدلانية الخاصة بإدارة الصيدلة في وزارة الصحة بولاية الخرطوم، فإن نحو 75% من الأدوية المتداولة تشهد نقصا في الصيدليات إلى أن أصبحت أكثرها معدومة.
أزمة الدولار
وتقرّ المسؤولة بوجود ندرة شديدة في الدواء إلى حد أن وزارة الصحة عانت في توفير أدوية لجزء من طواقمها، تعرضوا للإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في مراكز العزل.
وتشير إلى أن الوزارة بحثت عن مجرد مضادات حيوية ومخفضات حرارة لكوادرها المصابة، دون أن تجدها في السوق، مما اضطرها إلى اللجوء لمصانع الأدوية والاستعانة بأدوية العرض بعد نفاد مخزونات المصانع.
توفير الحكومة مبلغا شهريا بالدولار لاستيراد الأدوية هو أمر من الصعوبة الإيفاء به، وهو ما يتطلب اعتمادات سنوية، قبل أن تطلب مراعاة الأثر الاقتصادي السالب الذي تسببت فيه جائحة كورونا وفشل السياسات الاقتصادية.
وعن محاولات شيطنة العاملين في قطاع الدواء، حذرت رانيا من توصيفات تطال المستوردين مثل “مافيا الدواء”، دون الأخذ في الحسبان انعدام مصادر التمويل بالعملة الصعبة إلا عبر السوق السوداء.
سياسة رمادية
في المقابل، تعيب ( س ا) على الحكومة عدم وضع سياسة دوائية واضحة طوال الأشهر الماضية، بسبب انشغالها بتوفير السلع التي تظهر طوابيرها في الشوارع مثل الوقود والخبز ومشاكلها الداخلية وتقسيم الكيكة وارضاء بعضهم البعض.
وتوضح أن الدواء مادة إستراتيجية كالدقيق والوقود، تتطلب سياسات مدروسة واعتمادات سنوية تصل إلى 660 مليون دولار، لأن الخطة الدوائية يستدعي إعدادها زمنا طويلا، متوقعة أن تطول الأزمة الحالية حتى لو توفر التمويل.
وتذكر ( س ا) أنه رغم إقرار الدولة بأن الدواء سلعة إستراتيجية، فإنها في المقابل تخصص “صفر” مساعدات لهيئة الإمدادات الدوائية (هيئة حكومية) وللقطاع الخاص (المستوردين والمصنعين).
وفندت المتحدثة الاتهامات التي طالت المشتغلين بقطاع الدواء، وأدت لوقف تخصيص 10% من حصيلة الصادرات غير النفطية لصالحهم، بقولها إنه ثمة جوانب فنية تتعلق بالتوزيع والرقابة يمكن تفعيلها بسهولة.
واستبعدت وجود أدوية مخزنة بما أن كميات الأدوية التي دخلت البلاد هذا العام لا تتجاوز قيمتها 10 ملايين دولار، بينما تبلغ الفاتورة السنوية لاستيراد الدواء حوالي 400-500 مليون دولار.. إذا فشل الدولة في توفير الدواء هو السبب الرئيسي في هذه الأزمة. ولا نقول أزمة مفتعلة ولكن فشل واضح في إدارة الدولة.