إن البشرية تشهد هذه الأيام انتهاء عصر القطب الواحد المتمثل في أمريكا! الكل عبر العالم لم يعد يطيق أمريكا ولا يثق بأمريكا حتى شعوب أوروبا.
الروس طلعوا أذكياء بشكل لم يتوقعه الغرب بقيادة أمريكا. حتى توقيت تفجير الأزمة مع أوكرانيا، فقد كان هذا التوقيت محسوب بدقة لا مثيل لها ومن جميع الجوانب.
لدي هنا للقارئ عدة نقاط هامة جداً وهي:
– فضيحة المعامل البيولوجية وهذه في الأساس كانت موجهة ضد الصين. الآن أذكر كيف أن ترامب كان يركز في كلامه أن سبب كوفيد 19 هي الصين وكان يسمي الفيروس “الفيروس الصيني Chinese virus”. كان الفيروس موجه ضد الصين بالدرجة الأولى وفي نفس الوقت يتهمون الصين بأنها هي السبب في ظهوره. الصين الآن شعرت بالفزع مما كانت أمريكا تجهزه لها في معامل بيولوجية عددها كبير وهذه المعامل كلها خارج أمريكا ومنتشرة ضمن رقعة جغرافية واسعة وكلها قريبة نسبياً من الصين. للعلم فإن أمريكا مازالت تحتفظ بفيروس مرض الجدري الخطير في معامل بيولوجية تابعة للبنتاجون بواشنطن. الكارثة أن لا أحد عبر العالم ملقح باللقاح الخاص بهذا المرض الخطير – أي الجدري – والذي إن نجى أحد منه فإن وجهه يبقى مشوه مدى الحياة. الحديث طويل حول هذه النقطة (البيولوجية) لكن سوف أكتفي بهذه السطور. خلاصة هذه النقطة أن التوتر على أشده بين الصين وأمريكا. الصين بلا شك قد قررت الوقوف مع روسيا ودعمها من كل الجوانب ولن تسمح بهزيمة روسيا وانتصار أمريكا مهما كانت التكاليف باهضة. أنا شبه مقتنع أن هذه الحرب قد تم التخطيط المسبق لها بين روسيا والصين.
– الاقتصاد الأمريكي الضخم جداً يواجه خطر يصل إلى مستوى الانهيار. والأسباب هنا خارجية ومن أحد الأسباب الرئيسية لمثل هذا الانهيار المحتمل لاقتصادها هو انتهاء قوة الدولار الأمريكي كعملة عالمية لا منافس لها والسبب الأول لانتهاء قوة الدولار الأمريكي هو نوايا السعودية في التخلص من الدولار في تسعير وبيع نفطها والاتجاه إلى اليوان الصيني. كما أن روسيا فتحت تسهيلات في التعامل بعدة عملات أهمها اليوان الصيني.
هناك حديث ظهر أمس عن احتمال قيام أمريكا بالسيطرة المباشرة على حقول النفط في السعودية (استخدام قوات عسكرية أمريكية). أمريكا لن تسمح مطلقاً بانهيار عملتها واقتصادها في حين تمتلك من القوة ما يكفي للحفاظ على مصالحها. كما أن الأمريكان بهذه الطريقة سيحرمون الصين من إمدادات النفط السعودي.
هذا السيناريو غير خفي على السعودية منذ البداية ومن الطبيعي جداً أن السعودية قد رتبت لتجنب مثل هذا السيناريو.
– لاحظوا ما حصل أمس حين زار رئيس الوزراء البريطاني السعودية، لقد استقبله في المطار نائب أمير منطقة الرياض وليس الملك أو ولي عهده. هذا دليل واضح على أن علاقة السعودية مع الغرب تمر بفتور وعدم ثقة إلى أبعد الحدود.
– هناك نقطة هامة جداً جداً حول السعودية ودول الخليج وأمريكا وروسيا والبقية. هذه النقطة الهامة جداً هي كالتالي:
أمريكا والغرب دائماً يبتزون السعودية بالدرجة الأولى ودول الخليج بالدرجة الثانية حول كيف أن أمريكا والغرب دول ذات حكم ديمقراطي وشعوب حرة وانتخابات وصحافة حرة وحقوق الإنسان ومن هذا البق بق بق بق بق بق بق. أمريكا والغرب بنفس الأسلوب يبتزون روسيا والصين وغيرها من دول العالم. طبعاً كله ابتزاز سياسي وليس منهم إيماناً صادقًا ولوجه الله. السعودية ودول الخليج في كل مرة يقفون عاجزين عن الرد ويجدون أنفسهم في موقف الضعيف أمام هذا الابتزاز السياسي (الذي أحياناً يتم عمله مباشرة عن طريق حكومات أمريكا والغرب وأحياناً يتم الإيعاز لمنظمات حقوقية داخل تلك الدول للقيام بهذا الابتزاز وفي هذه الحالة تشعر السعودية وغيرها بالإهانة والتحقير لها حين يتم التعرض لها من هذا الباب ومن قبل منظمات داخل مكاتب في شوارع أمريكا في حين تجد السعودية نفسها عاجزة عن الرد كما ينبغي). كما أن أمريكا والغرب لم يتوقفوا نهائياً عن استخدام هذا الملف الشائك جداً ولن يتوقفوا كما يبدو واضحاً. هنا السعودية ربما قررت الإنضمام إلى القطب الروسي الصيني حيث أنظمة الحكم أقرب شبهاً لها ولم ولن يحدث لها أي ابتزاز باستخدام هذا الملف الشائك جداً والحساس.
– لقد صارت أمريكا وحلفائها مصدر خطر محدق وقلق كبير ودائم للسعودية ودول الخليج – وهذا من ضمن ما سنخرج به من هذا المقال -. أمريكا حليف مخادع ومصلحي أولاً وأخيراً في حين روسيا لا تتخلى عن حلفائها في المنطقة حين الحاجة الماسة لذلك ومهما كان الثمن. كما أن أمريكا تخلق المشاكل لحلفائها ثم تترك هذه المشاكل بلا حل بهدف الابتزاز الدائم.
– أمريكا تريد مصلحتها وحدها حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح حلفائها! هي تريد من السعودية إدانة روسيا حين دخلت أوكرانيا بمبرر وجود خطر حقيقي على أمنها القومي وهذا نفس مبرر السعودية في حربها في اليمن. السعودية إن أدانت روسيا فهي هنا تدين نفسها وهذا غير مقبول بالمرة لدى القيادة السعودية.
– السعودية ودول الخليج والصين وغيرها شعروا بالصدمة حين قامت أمريكا والغرب بمصادرة الأموال الروسية (لقد تمت مصادرة رقم غير بسيط وهو حوالي 300 مليار دولار أمريكي) وأصول مالية وعينية أخرى. يعني نهبوا هذه الأموال بمنتهى السهولة ودون أي اعتراف لصاحب الحق بحقه. السعودية ودول الخليج والصين وغيرها أيقنوا أن أموالهم المكدسة في أمريكا والغرب بالإضافة لبقية الأصول والاستثمارات لا أمان عليها. لم تعد أمريكا والغرب مكان آمن لذلك الغرض وبالتالي يجب عمل بديل آخر. وعمل البديل يعتبر أمر سيء جداً جداً من وجهة نظر أمريكا التي تراه من ضمن أسباب الانهيار المحتمل لاقتصادها ولعملتها الدولار وهذا من بين الأشياء التي ترفع بشدة من حدة توتر الوضع الحالي عبر العالم.
– نقطة هامة وهي:
لقد صار هناك البديل لكل منتج أمريكي مهما كان هذا المنتج هام وضروري أو معقد أو عالي الدقة وهذا البديل مناسب ويفي بالغرض وغير مكلف كثيراً والحصول عليه غير مشروط. بهذا الخصوص أتذكر أنني استغربت قبل فترة حين قرأت كيف أن أمريكا قامت بمنع فرنسا وأستراليا من إتمام صفقة تبيع فيها فرنسا غواصات حربية لأستراليا وتم استبدال ذلك بصفقة تبيع فيها أمريكا غواصات أمريكية لأستراليا. أليس هؤلاء الثلاثة حلفاء فيما بينهم؟ أم أن أمريكا وصلت إلى هذا المستوى الغير مسبوق من الدناءة والحقارة حتى مع حلفائها؟ حتى وإن تم تعويض فرنسا في هذه الحالة فسيبقى هذا التصرف نموذج يستلهم الجميع منه العبر والدروس حول مسألة أن لا ثقة بأمريكا على الإطلاق.
كل ما سبق وغيره يجعل أمريكا تعيش ذعر وخوف حقيقيين لأنها ترى مستقبل اقتصادها الضخم جداً وعملتها في خطر مؤكد وغير بعيد وذلك بعد أن تكون وحيدة منبوذة وقد فقدت مصداقيتها من كل النواحي وبشكل غير قابل لأية مراجعات وبالتالي فقدت مصالحها ولا أحد يرغب في الاقتراب منها أو في أن تقترب هي منه لأن الكل صار يرى في أمريكا مصدر أكيد لأخطار كارثية سواء إقتصادية أو صحية فيروسية أو سياسية أو غير ذلك من أخطار.
وكما يقال “دوام الحال من المحال” و “لو دامت لغيرك ما وصلت إليك” و “الأيام دول” و “وتلك الأيام نداولها بين الناس”.
الخلاصة بكلمات معدودات:
هناك توتر عالمي غير مسبوق سببه الوحيد هو الشعور بذعر حقيقي لدى الأمريكان من أن بلدهم هذه الأيام تفقد موقعها ونفوذها المتحكم بمصير العالم وبالتالي ستفقد مصالحها الاقتصادية الضخمة جداً وقوة عملتها لتحل محلها دول أخرى كالصين وروسيا. كما أن الأمريكان أيقنوا أنه لم يعد هناك أحد يرغب بوجود نفوذ لأمريكا داخل بلده أو بالقرب منها مهما كانت الحجج لذلك.
✒️ جميل عبد اللطيف