العنف بين الجذور والأسباب اللحظية…

الكاتب: عماد الدين ميرغني

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الأيام حالة من الغليان لم تشهد لها مثيل في تاريخها القريب، أو قد تكون هذه الإنتفاضة هي فريدة من نوعها من حيث شكلها في تاريخ الثورات في بلاد العم سام.

إذ أن المشهد يعكس غضباً عارماً لدى الكثير من أفراد الشعب الأمريكي بسبب ذلك المشهد المؤسف للشرطي الأمريكي الأبيض ومعاملته المفرطة في القسوة لأحد المواطنين الأمريكيين من أصول أفريقية.

احتجاجات امريكا

 مشهد أثار حفيظة الكثير من المواطنين بمختلف سِحنتهم في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد بسبب وباء كورونا الذي ضرب أعداداً كبيرة من المواطنين وحققت فيها الولايات المتحدة إحدى أكبر الأرقام القياسية في العالم من حيث الإصابات والوفيات.

المُلاحظ في تلك الفيديوهات التي انتشرت في بعض القنوات الفضائية وعلى مواقع التواصل الإجتماعي حالة الفوضى التي عمت عدد من المناطق من تخريب وحرائق لبعض الأماكن العامة، مما اضطرت قوات الشرطة في عدم التهاون في استخدام العنف ضد المواطنين.

انتفاضة الشعب السوداني

اعتصام القيادة العامة

تلك المشاهد أعادت إلى أذهاننا مواكب الإنتفاضة ضد النظام البائد منذ ديسمبر 2018 وحتى أبريل 2019، وجاءت المقارنة في سلمية الحراك،

وأن الشعب السوداني أبهر العالم في ثورته السلمية التي أسقطت إحدى أعتى الدكتاتوريات في أفريقيا والشرق الأوسط.

بالتأكيد كانت الثورة السودانية فريدة من نوعها وستُخلّد في التاريخ السوداني تحديداً. لكن خلو العنف في تلك المرحلة كانت من إحدى الضروريات التي تُبقي ثورة في حالة من التقدم على حساب النظام الذي كان يعتمد على قبضته الأمنية لقمع الحراك،

وكان أفراده من القوات القائمة على قمع التظاهرات تتعمد إستفزاز المواطنين لجرهم إلى العنف.

عدم إستجابة المواطنين للعنف الذي بادر به قوات النظام لم تكن بسبب الطبيعة البشرية للإنسان السوداني، ولكن لم يكن الأمر سوى مجرد مبدأ للحفاظ على الثورة. لكن للعنف شكلاً آخر في المجتمع السوداني،

 ولابد من المصارحة بطبيعتها لمواجهة الأمر بشكل حقيقي إن كان السلم هو المبدأ الحقيقي الذي ينبغي أن نسير عليه لضمان نجاح مكتسبات الثورة.

مفارقات رد الفعل

قبل أسابيع قليلة، تعرض الناشط عثمان ذو النون لهجوم عنيف بمنطقة سنار في حدث يعكس حالة من الإحتقان وسط بعض المواطنين الذين لهم ضغائن قديمة ضد الناشط على خلفية بعض الحكايات التي تعود تاريخها لسنوات طويلة؛

تم فيها اتهام ذو النون بأنه ضليع في إحدى جرائم الإغتيال لأحد الناشطين السياسين في جامعة سنار.

وبغض النظر عن السبب، فإن مشهد العنف يعكس غريزة الإنتقام وحالة من الرغبة القوية لرد فعل ضد الناشط ذو النون،

خصوصاً أن له تسجيلات حوت في نبراته بعض الإستفزازات التي أدت لحدوث العنف ضد في سنار حسب ما تم تداوله أيضاً على مواقع التواصل الإجتماعي.

طبيعة العنف

والحقيقة أن مثل هذه المشاهد تؤكد طبيعة العنف في المجتمع السوداني، والتي تدخل في مواقف تتخلها الإنتقام ورد الفعل تجاه بعض المواقف المستفزة كان من الممكن التعامل معها بشيء من ضبط النفس.

ومن المفترض عدم المكابرة تجاه حقيقة أن العنف نفسه متجذر في تربية المجتمع وتعليمه، مما أنتج مجتمعاً يحمل في نفسه جذور هذه المسألة التي تظهر بين الحين والآخر في الكثير من ردود الأفعال.

وليس من الضروري أن يكون شكل العنف بالإعتداء الجسدي، فالعنف من الممكن أن يكون لفظياً، وقد تظهر جذور العنف أيضاً في تلك الآراء التي تساند أفعال العنف،

كما حدث ذلك من ذو النون نفسه عندما عبر عن سروره بأحداث العنف ضد كل من خالد عمر (سلك) ومحمد ناجي الأصم في دارفور قبل أشهر، وهو نفسه ذو النون الذي أدان العنف في حقه في سنار.

والكارثة الحقيقية لا تكمن في ظهور العنف في مثل هذه الأحداث، فهذا أمر طبيعي لنا كشعب تربى على هذا العنف.

ولكن الكارثة تكمن في إقحام العنف في المعتركات السياسية، وهو أسوأ ما ساهم به النظام البائد في ساحة العمل السياسي في الجامعات السودانية، فليس هنالك تنظيم سياسي لا يحوي كوادر عنف.

والأسوأ من ذلك؛ هو عدم التعقل في مثل هذه المواقف، وعدم الإعتراف بحقيقة جذور العنف لدى الشعب السوداني والتي تبدأ في التربية والتعليم،

 هذا بخلاف عوامل أخرى تكرّس لتعميق العنف في نفسية الإنسان السوداني، مثل النظام التعليمي الذي واضع مرحلة الأساس 8 سنوات؛

ويتم فيها وضع تلاميذ بفارق 8 سنوات أو أكثر داخل ساحة واحدة يتم فيها ممارسة العنف ممن هم في السنوات الأخيرة في هذه المرحلة ضد من هم في بدايات المرحلة.

الوعي

لقد بلغ هذا الشعب من درجات الثورة لأن ينقلب على جملة من المفاهيم والمضامين التي من المفترض أن يتم تغييرها خلال السنوات القادمة بالفعل التراكمي بجملة من المواقف والأحداث. ومن هذا المنطلق،

 لابد له أن يفهم أن حقيقة العنف متجذرة لدينا منذ سنواتنا الأولى في هذه الحياة، ومشاهد العنف لا تكون لأسباب لحظية،

 وإنما لأسباب تتعلق بجذور ثقافاتنا، والتي أثرت على مسارنا في التربية والتعليم، وحتى داخل البيوت السودانية التي ما زالت تحوي تلك الأعراف التي تشجع العنف ضد المرأة.