تشهد مواقع التواصل الإجتماعي في هذه الأيام تحديداً حملات محتدمة متمحورةً حول مدير المناهج الحالي الدكتور عمر القراي، متمثلة في الحملة التي تطالب بإبعاد القراي من منصبه بهاشتاق “إزالة القراي”
والحملة الأخرى التي تؤيد بقاءه بهاشتاق “القراي أمل التعليم”.
ومن زاوية محايدة، ومن خلال قراءة هذا المشهد؛ فإن كلا الحملتين تتسمان بمشترك واحد، وهو رد الفعل.
فحملة إزالة القراي لم تكن سوى رد فعل لتصريحات القراي حول آليات تعليم الدين في المدارس، وأشار إلى ضرورة تعديلها.
ورغم توضيحه للأمر في مؤتمره الصحفي الذي عقده عقب الهجوم الذي شنّه عليه الكثيرون، إلا أن حملة إزالة القراي ما زالت تسير في وتيرة تصاعدية.
والحقيقة أن الكثير ممن قرروا خوض الهجوم على القراي غير منتسبي للنظام البائد، لكن تأثرهم بخطاب الآيدولوجيا الإسلامية المتطرفة واضح وضوح الشمس للعيان.
وهذا الأمر؛ أخذ طابع الصراع السياسي، فالوارد أن فصيل من منتسبي النظام البائد هم من نفخوا في النار بسبب العداء القديم بينهم وبين الجمهوريين منذ أيام المفكر (أو الأستاذ كما يذكره البعض) محمود محمد طه الذي أُعدِم في عام 1985.
أما على الجانب الآخر؛ فالحملة المؤيدة للدكتور عمر القراي هي الأخرى قامت كرد فعل على حملة إزالة القراي، وتطالب ببقاءه في منصبه لأسباب هي الأخرى أسباب موضوعية.
إذ أن كل المؤيدين للدكتور عمر القراي يرون أن المنهج التعليمي الذي وضعه النظام البائد لم يكن سوى منهج للتجهيل وإنتاج المسوخ البشرية المشوهة في وعيها، وترى أن الخطوات التي يقوم بها القراي هي خطوات حقيقية للتغيير المنشود.
الفريقين
كل الفريقين الآن في صراع شد وجذب حول القراي، كأنما القراي الآن بين حبلين، من جهة تشهده جماعة إزالة القراي لإقالته من منصبه، ومن الجهة الأخرى تشده جماعة القراي أمل التعليم للبقاء والاستمرار في منصبه.
وبين هذا وذاك؛ خرج البعض لتوضيح اللبس الذي حدث في الجدل الدائر حول شخص القراي كمدير للمناهج، وأوضحت أن عملية تغيير المناهج لا تتم بقرارات فردية كما يتصوره الكثيرون، بل أن الأمر مربوط بفريق من الخبراء والمتخصصين في المناهج التعليمية.
كما أن العملية تمر بإدخال أولياء الأمور لطلاب المدارس للإدلاء بآراءهم؛ ومن ثم فإنها من المفترض أن تخضع لإجازة من البرلمان أو المجلس التشريعي.
أي أن عملية التغيير معقدة وتمر بعدة منظومات، والقراي ما هو إلا جزء من المنظومات التي ستكون قائمة على عملية تغيير المناهج.
والقراي نفسه أوضح هذا الأمر في إحدى المقابلات التلفيزيونية كمسؤول وواجهة لإدارة المناهج أمام وسائل الإعلام.
ما يعني أن كلا القائمين على الحملتين من المفترض أن يناقشوا العملية التي تتم من خلالها التغيير، وأن الأمر لا يتعلق بالقراي ببقاءه أو بتركه لمنصبه الحالي.
أما المعضلة الحقيقية لا تكمن في الحملتين ولا في بقاء القراي ولا في رحيله، وإنما المعضلة الحقيقية تكمن في فقدان البوصلة الحقيقية التي من المفترض أن ترشد الجميع إلى الطريق الذي من المفترض أن يسير فيه الشارع السوداني في سبيل التغيير.
حجر الأساس
ولأن الفترة الإنتقالية الحالية من المفترض أن توضع فيها حجر الأساس للدولة الجديدة، فإن عدد من العمليات المعقدة لابد من أن نمر بها جميعاً ويتحلى فيها الجميع بالعقلانية المطلوبة للخروج من مأزق الدولة المنهارة الذي نعاني فيه في الوقت الحالي.
جزء من عمليات التأسيس للدولة الجديدة هي قيام مؤتمرات كبرى في القضايا الأساسية لهذه الدولة. فمثلما تدور العديد من النقاشات حول قيام مؤتمر دستوري لوضع دستور دائم للدولة التي من المفترض أن تكون دولة ديمقراطية باتفاق الجميع،
فإنه يفترض قيام مؤتمرات لقضايا أخرى لا تقل أهمية عن قضية الدستور، وقضية التعليم هي إحدى تلك القضايا الضرورية.
فحق التعليم لابد أن يكون مكفول لكل فرد في كل شبر من هذه الدولة من مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها، ما يعني أنه لابد من وضع خطة متفق عليها لتحقيق هذا الأمر تحديداً.
وغير ذلك؛ فإن النظام التعليمي هو الآخر يدخل ضمن المسائل التي من المفترض أن تُناقش، وكذلك الحال بالنسبة لآليات التعليم، والمناهج التي من المفترض أن توضع.
هذه المسائل التي تخص التعليم بكل تأكيد لن تُناقش بمعزل عن القضية الأساسية للدولة، وهي قضية التطوير والتنمية والإنتعاش الإقتصادي والتي أساسها هو الكادر البشري،
ما يعني أن الأمر مرتبط بتحديد الدولة للموارد الأساسية والأنشطة الإقتصادية اللازمة للإستفادة من هذه الموارد، وتحديد شكل هيكل الإقتصاد وشكل السوق.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه؛
إلى متى سنظل رهائن للردود الأفعال؟،
والسؤال الآخر أيضاً وهو؛ متى سيقتنع الجميع بضرورة صناعة الفعل؟.
ولو فكرنا قليلاً حول ما يمكن فعله لاتخذ الجميع طريقاً آخر غير شد الحبلين على القراي بجدل البقاء أو تركه لمنصبه، فكلا الحملتين من باب أولى أن تطالب بقيام مؤتمر تعليمي جامع لمختلف الأطياف
سواء كانت مهنية أو سياسية أو كيانات أخرى مثل منظمات المجتمع المدني أو حتى كيانات الشباب، للمشاركة بأوراقها في هذه القضية.
وهذه القضية معقدة؛ تحتاج لتوضيح الكثير من وجهات النظر بين تبني بعض النماذج التعليمية وبين دراسة الواقع المحلي،
الأمر الذي من المفترض أن ينتج عنه المخرج الجامع والمُتفق عليه لتأسيس نظام تعليمي جديد، وبأدوات وطرق تعليمية جديدة، وبمناهج جديدة تساهم مع مرور الزمن في تطوير هذه الدولة.
وكفى الله المؤمنين القتال…