أثار كشف روسيا مؤخرا عن وجود مختبرات بيولوجية تمولها الولايات المتحدة في أوكرانيا حالة من الذعر في جميع أنحاء العالم. وإلى جانب أوكرانيا، تمول الولايات المتحدة مختبرات بيولوجية سرية في العديد من البلدان حول العالم. وقد أثارت الحقيقة الكامنة وراء تلك المختبرات البيولوجية ومخاطر تسرب بعض مسببات الأمراض الخطيرة قلقا بالغا في المجتمع الدولي.
— مختبرات بيولوجية سرية
يُعد برنامج الحد من التهديدات البيولوجية جزءا من البرنامج التعاوني للحد من التهديدات التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، وفقا لما ذكرته صحيفة وقائع تابعة لوزارة الدفاع ونُشرت في الـ11 من مارس.
منذ عام 2005، عندما دخل برنامج الحد من التهديدات البيولوجية في شراكة مع حكومة أوكرانيا، استثمرت الولايات المتحدة ما يقرب من 200 مليون دولار أمريكي في أوكرانيا، ودعمت 46 من المختبرات والمنشآت الصحية ومواقع التشخيص الأوكرانية.
وقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم الثلاثاء بأنه بالإضافة إلى امتلاكها لأكثر من 30 مختبرا بيولوجيا في أوكرانيا، أنشأت الولايات المتحدة “المئات من هذه المختبرات” في بلدان أخرى.
ووفقا للبيانات المتاحة للجمهور، يتلقى 336 مختبرا في حوالي 30 دولة تمويلا من برنامج الحد من التهديدات البيولوجية.
وهذا العمل البحثي، الذي تجريه المختبرات البيولوجية التي تمولها وزارة الدفاع، تكتنفه سرية تامة.
ورغم أن المسؤولين الأمريكيين رفضوا التساؤلات المتعلقة بهذه المختبرات البيولوجية ووصفوها بأنها “معلومات مضللة” و”نظريات مؤامرة”، إلا أن هناك دعوات موجهة لواشنطن بضرورة الامتثال لاتفاقية الأسلحة البيولوجية وتقديم توضيحات حول القضايا ذات الصلة.
في مواجهة الوثائق والصور والأشياء التي اكتشفتها روسيا في أوكرانيا، يتعين على الولايات المتحدة نشر المعلومات ذات الصلة وتقديم شرح كامل بشأن أبحاثها البيولوجية في الداخل والخارج وقبول عملية تحقق متعددة الأطراف.
وبدوره قال أليستر هاي، البروفيسور الفخري المتخصص في علم السموم البيئية بجامعة ليدز في بريطانيا، إن “الولايات المتحدة تدعم مختبرات مختلفة في أوكرانيا من خلال برنامج ما بعد الحرب الباردة. وعلى حد علمي، تشارك هذه المختبرات عموما في ترصد الأمراض”.
وذكر البروفيسور “ليس ثمة سبب واضح لاحتياج الولايات المتحدة إلى دعم هذا العمل ولماذا، على سبيل المثال، لا يحدث ذلك تحت إشراف منظمة الصحة العالمية”.
— مخاطر محتملة
زعمت الولايات المتحدة أنها مولت مختبرات بيولوجية في بلدان أخرى “لاحتواء التهديدات البيولوجية”. بيد أنه تبيّن أن هذه المختبرات تهدف إلى تخزين مسببات الأمراض والسموم الخطيرة والتعامل معها.
وتعد أوكرانيا مثالا على ذلك. فقد ذكر تقرير صدر عام 2012 عن الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم أن بعض المختبرات الأوكرانية قد تم الارتقاء بها إلى المستوى اللازم للتعامل مع بعض مسببات الأمراض الأكثر خطورة مثل الجمرة الخبيثة.
وأشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن المختبرات البيولوجية التي تمولها الولايات المتحدة في أوكرانيا أُنشئت بهدف إقامة آلية للانتشار السري لمسببات الأمراض الفتاكة، الأمر الذي أثار قلقا جديدا بشأن تسرب محتمل لمسببات أمراض.
لماذا اختارت الولايات المتحدة تمويل مختبرات بيولوجية في أوكرانيا، وهي ليست دولة غنية في أوروبا وغير متفوقة في البحوث الطبية البيولوجية؟
أثناء قيامه بشرح تاريخ برنامج المختبرات البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا للمحافظين الأمريكيين، قال جوناثان أسكوناس، الأستاذ المساعد المتخصص في علم السياسة بالجامعة الكاثوليكية الأمريكية، إن وكالة الحد من التهديدات الدفاعية كثفت أنشطتها في البلدان المحيطة بالاتحاد السوفيتي السابق. وأوكرانيا جذابة بشكل خاص لأن لديها الكثير من العاملين المهرة في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ولديها حكومة صديقة للولايات المتحدة.
إن المختبرات المرتبطة بالولايات المتحدة في أوكرانيا ليست مرافق للأسلحة البيولوجية، هكذا ذكرت ((نشرة علماء الذرة)) نقلا عن روبرت بوب مدير البرنامج التعاوني للحد من التهديدات، المعروف أيضا باسم برنامج نون- لوغار المحدث. وإن الصراع الأوكراني الروسي الحالي قد يعرض شبكة من المختبرات، التي تعمل مع مسببات الأمراض الخطيرة، للخطر.
وقد أُدينت النائبة الديمقراطية السابقة تولسي غابارد ووصفت بأنها “خائنة” لتغريدها بأن أكثر من 25 “مختبرا بيولوجيا تموله الولايات المتحدة” في أوكرانيا، والتي، إذا تم اختراقها، ستطلق وتنشر “مسببات أمراض فتاكة”. ودعت إلى وقف إطلاق النار “الآن حول هذه المختبرات حتى يتم تأمينها والقضاء على مسببات الأمراض”.
ونصحت منظمة الصحة العالمية أوكرانيا يوم الخميس بتدمير مسببات الأمراض عالية الخطورة المخزنة في مختبرات البلاد لمنع “أي تسريبات محتملة”.
— إعلام أمريكي فاتر
في تجاهل للقلق العالمي بشأن المختبرات البيولوجية الخارجية التي تمولها الولايات المتحدة، التزمت وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة، التي تتباهى دائما بما يسمى “حرية الصحافة”، الصمت ورددت كالببغاء لما قالته الحكومة الأمريكية دون أي تحقق.
“ماذا يوجد في تلك المختبرات البيولوجية الأوكرانية على نحو يجعلها مقلقة وخطيرة للغاية؟” هكذا تساءل الصحفي المستقل غلين غرينوالد في مقال نُشر في 9 مارس، بعد يوم واحد من اعتراف وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند بأن “أوكرانيا لديها مرافق أبحاث بيولوجية” وذلك عند الإدلاء بشهادتها أمام جلسة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
وسأل قائلا “إذا كانت هذه المختبرات تهدف فقط إلى إيجاد علاج للسرطان أو وضع تدابير سلامة ضد مسببات الأمراض، فلماذا يكون لها، من وجهة نظر نولاند، أي علاقة ببرنامج أسلحة بيولوجية وكيميائية في أوكرانيا؟
ومن جانبه، قال مذيع شبكة ((فوكس)) الإخبارية تاكر كارلسون إن الولايات المتحدة تعمل مع أوكرانيا “للقضاء على الأسلحة البيولوجية” التي خلفها الاتحاد السوفيتي منذ عام 2005، ولكن على مدار الـ17 عاما الماضية، “لم ينته البنتاغون من إزالة أنابيب الاختبار من المجمدات التي تعود للحقبة السوفيتية”.
“كيف تسير الأمور بالضبط؟ وما مدى ثقل هذه الأسلحة البيولوجية؟ ومتى يعتزم البنتاغون الانتهاء من إنجاز هذا العمل الهام؟” هكذا تساءل كارلسون. وأضاف “كل هذه الأسئلة تبدو واضحة جدا، ولكن لم يطرح أي مراسل (أمريكي) أيا من هذه الأسئلة”.
وأشار كارلسون إلى أنه “بدلا من أن تقوم الجهات الفاعلة في الحكومة والإعلام بمصارحة الشعب الأمريكي فيما يتعلق بواقع معقد، تنخرط في تستر مخجل ومدمر للذات تحت ستار ‘مكافحة المعلومات المضللة’