تسارعت موجات التضخم في السودان، خلال الفترة الأخيرة، وسط تصاعد أنشطة السوق السوداء للسلع الضرورية، رغم التدخلات الحكومية لضبط الأسعار.
وساد الغضب الشارع السوداني من انفلات التضخم الذي وصل إلى مستويات قياسية، في ظل الإجراءات الحكومية الأخيرة التي استهدفت تقليص الدعم بهدف الحد من الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها البلاد.
ووفق أرقام رسمية، فقد قفز معدل التضخم السنوي في السودان إلى 422.78 بالمائة خلال يوليو/ تموز الماضي، مقارنة بـ412.75 بالمائة في يونيو/ حزيران السابق له.
وقالت المواطنة آسيا خلف الله : يئسنا من الحديث عن الأزمة المعيشية، فالأسعار غير ثابتة في الأسواق، وتزداد أكثر من مرة في اليوم أحياناً، وأسرتي تحتاج في اليوم الواحد إلى مبلغ 5 آلاف جنيه لتغطية الاحتياجات الأساسية، وحتى إن وُجدت، فلن نستطيع الحصول على السلع بسهولة.
وتزداد معاناة السودانيين مع استمرار ارتفاع تكلفة المعيشة، إذ شهدت أسواق المواد الغذائية والاستهلاكية زيادة عالية فاقت نسبتها في عدد من السلع الأساسية 1000%، خلال الفترة الأخيرة، حسب مواطنين.
ويؤكد كثير من المواطنين أنّ ارتفاع الأسعار والزيادات المستمرة للسلع الاستهلاكية وإيجارات المنازل وتكاليف العلاج والتعليم والخدمات الأخرى تؤدي إلى تدهور الحياة الاجتماعية.
فالأسعار تفوق قدرة المواطن، فيما أصبح الدخل ثابتاً، حسب المواطن رحمة الله حامد، الذي يقول: “لن يستطيع أي شخص مهما كان دخله أن يتماشى مع قفزات الأسعار”.
وأكد إسماعيل يحيى، وهو خريج جامعي أنه “لا سبيل لنا سوى الخروج من البلاد التي يبدو فيها عدم اهتمام المسؤولين بأوضاع الناس”.
وأضاف: “هناك فوضى ضاربة في الأسواق وفي كل مرافق الدولة، فالأمر أصبح لا يطاق، وكثيرون فكروا في الهجرة إلى بلاد ينعم فيها بأبسط مقومات الحياة”.
وتابع: “في السودان ليس هناك استقرار في الكهرباء التي تنقطع لمدة 10 ساعات بجانب انعدام لمياه الشرب”.
رغم بدء برنامج الدعم النقدي المباشر للأسر السودانية ورفع الأجور بنسبة تفوق 500 بالمئة، إلا أن رقعة الفقر اتسعت في البلاد
وقالت محاسن حسين (ربة منزل) إنّ السودانيين يعيشون وضعاً متدهوراً ومزرياً للغاية، بعدما تزايد عدد الفقراء، وأصبح الجميع يعاني جراء زيادة الأسعار التي يمكن أن تصل إلى 5 مرات يومياً، وهو ما يجعل التجار يُحجمون عن البيع في بعض الأحيان.
وحملت المواطنة “الحكومة مسؤولية تدهور الأوضاع، مشددة على أنّ السودانيين ثاروا على النظام السابق بسبب الجوع، لكنهم أصبحوا يشعرون بالجوع أكثر “على حد قولها”.
وفي ظل تلك الأوضاع المعيشية الصعبة، توقف كثير من التجار عن البيع واستجلاب سلع جديدة، وأغلقت بعض المحال أبوابها خوفاً من تآكل رأسمالها الباقي ونقله إلى خارج البلاد.
ويبرر رجل الأعمال محمد إسحق، في حديثه الخطوة بأنها اصبحت هي الملاذ الأخير للمحافظة على ما بقي.
وقال: “لن تستطيع العيش في بلاد لا توفر أبسط مقومات الحياة، الأفضل الهجرة في ظل تدهور الكهرباء وشحّ المياه وضعف الصحة والتعليم”.
وأوضح التاجر عبد الباقي الشيخ حسين، صاحب متجر بالخرطوم أنّ ركود السوق ليس جديداً، وذلك بسبب الغلاء.
وأضاف أنّ الوضع المعيشي المزرى الذي يواجه أغلبية المستهلكين أحد أسباب الركود الحاد، ما كبّد القطاع التجاري خسائر فادحة.
من جانبه، أرجع رئيس لجنة خدمات “بأحد أحياء الخرطوم”، جمال الدين ميرغني، سبب غلاء الأسعار إلى انعدام الرقابة على السلع، مطالباً الدولة بمراقبة الأسواق والسيطرة على السلع الرئيسية ومراجعة سياساتها وتحديد أولوياتها خلال المرحلة المقبلة، حتى لا ترتفع الأسعار بهذه الصورة غير القانونية.
وتحدث مسؤول في وزارة التجارة والتموين، لـ”العربي الجديد، قائلاً إنّ تعدد الوسطاء وارتباك شبكات التوزيع، من أهم أسباب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية في البلاد.
وأكد المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، عدم وجود ندرة في القمح والسلع الأخرى، لكنه أشار إلى صعوبات لوجستية تعوق تدفق السلع بالشكل المطلوب، من بينها انقطاعات الكهرباء ومشكلات النقل والتوزيع.
مواطنون يؤكدون أنّ ارتفاع الأسعار والزيادات المستمرة للسلع الاستهلاكية وإيجارات المنازل وتكاليف العلاج والتعليم والخدمات الأخرى تؤدي إلى تدهور الحياة الاجتماعية
وأبدى المسؤول أمله في نجاح برنامج “سلعتي” الذي يركز على توصيل عدد من السلع الأساسية من المنتج إلى المستهلك مباشرة دون المرور بسلاسل الوسطاء الكثيرة، التي تسبّب ارتفاع الأسعار وإرباك الأسواق.
ورغم بدء برنامج الدعم النقدي المباشر للأسر السودانية ورفع الأجور بنسبة تفوق 500 بالمئة، إلا أن رقعة الفقر اتسعت في البلاد، حسب مراقبين.
وفي ظل هذه الظروف، نظمت وزارة التجارة والتموين حملة قومية للرقابة على الأسواق بعدد 21 مفتشاً، بهدف فرض هيبة الدولة التي تتخذ كل الوسائل لتحسين معاش الناس ومحاربة ظاهرة زيادة الأسعار، وفق المسؤولين.. بعد الحكومة من المواطن وهمها الأول المناصب والكراسي..