منذ تأكيد خبر إنتشار فيروس كورونا في يناير الماضي في مدينة ووهان، والعالم يترقب إنتشار الفيروس؛ والذي بدأ بدخول عدد من الدول نتيجة التنقلات المستمرة التي كانت بين الصين والدول الأخرى التي اجتاحها الفيروس.
والمعلوم أن العديد من الدول التي لها مواطنين مقيمين في ووهان بدأت في إجلاءهم فوراً حمايةً لهم من خطر تعرضهم للفيروس. لم تكن الأمور قد وصلت إلى المرحلة الحالية.
في ذلك الوقت كانت المطالبة بإجلاء السودانيين المقيمين في ووهان، لكن الحكومة السودانية إلتزمت الصمت التام كأن المشهد يعكس لا مبالاة للحكومة السودانية، الأمر الذي أظهر سخط الكثير من عامة الناس ممن تناولوا القضية بآراءهم في مختلف الوسائط.
وكما هو معلوم؛ فإن المشهد السوداني في غاية التعقيد، وقتها لم تكن هنالك إستعدادات بالدرجة الكافية لإجلاء السودانيين المقيمين في مدينة ووهان الصينية، الأمر الذي أدى لاستمرار مكوث السودانيين هنالك رغم تزايد انتشار الفيروس.
وعلى ما يبدو أن الحكومة السودانية كانت تفكر بدل المرة ألف مرة في كيفية إجلاء السودانيين من هنالك بأمان حرصاً على ضمان عدم دخول حالات مصابة للفيروس للسودان الذي يفتقر للخدمات الصحية التي تمكِّن من الصراع ضد الفيروس.
الامارات تحملت المسؤولية
الإمارات العربية المتحدة من جهتها تحملت مسؤولية إجلاءهم من مدينة ووهان، وخلال الأسابيع الماضية تمكّن السودانيون من الخروج، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع بضرورة فحصهم ووضعهم في الحجر الصحي في مدينة أبوظبي، وقد كان.
إنقضت المدة التي فُرِضت عليهم في أبوظبي، وبات بإمكانهم العودة للسودان، لكن عند عودتهم تفاجأوا بأمر السلطة السودانية بضرورة فحصهم وإخضاعهم للحجر الصحي، علماً أن نفس الإجراء خضعوا له في مدينة أبوظبي.
وهنا كان المحك واحتدام الأمر بينهم هم وذويهم المترقبين لعودتهم وبين السلطة السودانية، إذ أنهم القادمون من ووهان هم وذويهم رفضوا إخضاعهم للإجراء مرة أخرى.
ذويهم طالبوا بارجاعهم
وطالب ذويهم بالعودة مرة أخرى لمدينة أبوظبي، في الوقت الذي أصرت فيه السلطة السودانية على دخول هؤلاء القادمون للبلاد وإخضاعهم للحجر الصحي.
من جهة؛ فإن وجهة النظر التي تؤيد رفضهم هو أنهم خضعوا للإجراء وتم إثبات سلامتهم ومعافاتهم من الفيروس. أما من جهة أخرى.
فإن السلطة السودانية تسعى لضمان صحتهم وسلامتهم من المرض؛ خصوصاً أن التفكير سيذهب إلى أنه في الوقت الذي تم فيه نقلهم من مكان إقامتهم في أبوظبي إلى المطار ومن ثم إلى هنا عبر الطائرة قد ينتقل فيه الفيروس لأحدهم، وبالتالي ليس هنالك ضمان لسلامتهم بالكامل.
والسلطة السودانية نفسها تمضي في التشديد على هذه الإجراءات؛ خصوصاً بعد أن واجهت صعوبات في إخضاع القادمين من الخارج للحجر.
فهنالك من أتوا عبر البر قادمين من مصر، لم يخضعوا بالكامل للفحوصات والحجر الصحي للتحقق من سلامتهم من الفيروس، في ظل رفض عدد منهم للخضوع لهذه الإجراءات.
ثلاث حالات أتت من الامارات
أما الأمر الآخر، أن الحالات الثلاث التي تم تأكيد إصابتها بالفيروس جميعها قادمة من الإمارات بحسب ما تم نشره نقلاً عن وزارة الصحة.
ما يعني أن السلطة قررت التشديد في إخضاع القادمين من ووهان عبر أبوظبي للحجر الصحي لضمان عدم زيادة الحالات في العاصمة الخرطوم.
ومن كل هذا المشهد المعقد، فإن الأمر بات معلقاً بين رفض القادمين من ووهان عبر أبوظبي للخضوع للحجر مرة أخرى.
وبين إصرار السلطة على إخضاعهم للحجر الصحي، وهو الأمر الذي يستحق الوقفة في ظل التهديد الذي يواجهه الجميع بانتشار الفيروس في بيئة الدولة السودانية المعقدة في تفاصيل الأزمات والإنهيار على مستوى الإقتصاد والخدمات.
الأمر بات بتطلب التفهم من الطرفين بحجم الكارثة التي يواجهها الجميع، إذ أن الضرورة تحتم الحذر بشكل كبير في مواجهة هذا الوباء، وحالت الشد والجذب بين الرفض والإصرار قد يزيد الأمر تعقيداً في ظل الظرف الراهن.
ما مصيرهم ؟
وعلى أسوأ الفروض؛ فإن عودة السودانيين القادمين من ووهان من حيث أتوا؛ سيخضعهم للحجر مرة أخرى بذات الكيفية من الحذر.
وفي حال أن وصل الأمر لعودتهم لمدينة ووهان باعتبارها قد تعافت من إنتشار الفيروس وباتت قادرة على مواجهة الأمر بقوة، فإنها هي الأخرى ستتشدد على إجراء الحجر لهم جميعاً كما تفعل مع كل القادمين إليها من مختلف الدول.
ومنطق العقل يقول أن السودانيين القادمون من مدينة ووهان أمام أمر واقع لابد من التعامل معه.
وعلى أسوأ الأحوال سيجدون أنفسهم ملزمين بتنفيذ إجراء العزل بأنفسهم بالمتابعة مع الجهات المختصة لمحاربة الفيروس، وإلا فإن الأمر قد ينفلت في حال عدم إلتزامهم بإجراء العزل.
بعض الأصوات في الوقت الحالي تنادي بنصرتهم في قضيتهم والسماح لهم بالدخول وعدم التشديد عليهم لتنفيذ الحجر، وأصوات أخرى تنادي بإخضاعهم للحجر خوفاً من دخول حالات مصابة بالفيروس.
وبين الرأيين لابد للجميع أن يتفهم ضرورة الحرص في التعامل مع الأمر، سواء بالجهات المختصة أو بالتعامل الفردي بمسؤولية في تنفيذ إجراء العزل والوقاية من الإنتشار، فبين مطرقة الرفض وسندان الحذر تكمن القضية البالغة في التعقيد.