في ظل انسداد الافق السياسي وتباعد المواقف وتمدد مساحات السيولة الامنية، فإن مؤشر الاحداث السياسية ينبئ بتحولات ربما تكون مفاجئة، ولا يبدو ان القوات المسلحة قد تقدم على تسليم الحكم للمدنيين في ظل حالة الاستقطاب الحاد التي تشهدها البلاد، الا في حال توافق وطني شامل او انتخابات مبكرة، ويقرأ ذلك اتساقاً مع تصريحات مستشار القائد العام للقوات المسلحة العميد ابو هاجة الذي اكد ان امانة البلاد لن تسلم الا لمن يختاره الشعب السوداني، ولا مجال لحكم الفترة الانتقالية بوضع اليد والفهلوة السياسية، ومع تفاقم الازمات وتطويل امد الازمة فقدت المكونات السياسية الثقة على المستوى الشعبي والرسمي، خاصة بعد تجربة حكم لحاضنة قوى الائتلاف امتدت لعامين وافرزت تجاذباً في المشهد السياسي قاد لاجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر ثم لما وصل اليه راهن الامور.
المتابع لتصريحات قادة الجيش خلال الآونة الاخيرة يلتمس بوضوح ان حبال الصبر بدأت تنفد مع تمدد الازمات، وقياس الوضع بشكله الحالي لربما يفضي الى انتخابات مبكرة.
الخبير والمحلل السياسي د. الرشيد ابراهيم ذهب الى ان قراءة رسائل القوات المسلحة الاخيرة عبر قادتها لا يمكن فصلها عن تجارب سابقة مبنية على حقائق في تاريخ السودان السياسي عبر تجربة الفريق عبود الذي سلم السلطة للاحزاب عندما جاءت مجتمعة.
وكذلك المشير سوار الذهب والجزولي دفع الله في الديمقراطية الثالثة حينما قاما بتسليم السلطة للصادق المهدي عبر انتخابات، وأضاف ان الاثنين جنرالان كان بامكانهما الاحتفاظ بالسلطة.
تصريحات ابو هاجة التي اكد خلالها رؤية الجيش بتسليم السلطة لمن يختاره الشعب ربطها خبراء بخيار الانتخابات المبكرة التي قد تكون خياراً خلال المرحلة المقبلة حال استمرت الاوضاع في التشاكس والتنازع، ومنعاً لحدوث اية سيناريوهات مشابهة حدثت في دول قادها الاستقطاب السياسي الى حروب اهلية.
واكتسبت تصريحات ابو هاجة زخماً اعلامياً كبيراً لتوقيتها الذي جاء بعد يوم واحد من تصريحات الفريق أول حميدتي التي كشف خلالها عن توافقه مع البرهان على تسليم السلطة للمدنيين بتسمية رئيس مجلس سيادة مدني ورئيس وزراء مدني لقوى الثورة. وتلك التصريحات اثارت جدلاً واسعاً نسجت من خلاله الاقاويل والقصص واضفت نوعاً من الضبابية على الحالة السياسية السودانية التي تعيش احد اعقد حقبها.
المحلل السياسي د. الرشيد يرى انه من الواضح ان الاحزاب تريد ان تخرج من واقع المسلمات القديمة وتريد سلطة لم تفوض بالتوافق خلالها ولا بالانتخابات عبرها، وتابع قائلاً: (ان المكون العسكري وقع في خطأ استراتيجي حينما وقع على الوثيقة الدستورية التي افرزت الواقع الحالي الذي لن يجعل خيار تكرارها غير وارد).
وتساءل محدثي عن تداعيات تشدد المجلس المركزي في موقف هل لكسب وشعبية يمتلكها، إذ لا يمكن اقصاء تحالفات لحساب تحالفات اخرى، واردف الرشيد قائلاً: (الذي يتفاوض دائماً يكون عبر موقع قوة، والراهن يؤكد ان قوى الائتلاف لا تملك الشارع ولا السلطة، وادخلت الآلية الرباعية في حرج عبر تسويقها لنفسها).
واثار الاعلان الدستوري للمجلس المركزي جدلاً واسعاً في ما يتضمنه من مواد ذهب مراقبون الى انها اقصائية مقارنة بباقي الاطروحات التي عرضت خلال شهر اغسطس.
ومازالت قوى الائتلاف متشددة في قبول اي تقدم في حوار يجمعها بالمكون العسكري، الا بعد الغاء اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي.
المحلل السياسي د. الرشيد ابراهيم قال ان المبادرات التي طرحت اغلبها وسطية على غرار مبادرة الطيب الجد والتوافق الوطني، مقارنة باخرى متشددة مثل الحل الجذري للشيوعي، وكذلك ميثاق لجان المقاومة التي برزت كرافضة لكل شيء بخطاب غير واقعي، وبالتالي فإن تسليم المشهد لاي فصيل مدني دون توافق الا بانتخابات قد يقود الى وصفة حرب اهلية او تقسيم. واعتبر محدثي ان ما طرحه العسكر وسائل ديمقراطية ولم تخرج عن العرف مثل خيار الانتخابات.