اكتشفت “جزيرة العبودية” والتي تخرج من مدرستها أربعة رؤساء، في القرن الخامس عشر، ودخلت لائحة التراث العالمي عام 1978. إنها جزيرة “غوري” قبالة سواحل السنغال، التي يطلق عليها أيضا اسم “جزيرة العبودية”. والجزيرة التي تنطوي على تاريخ وتراث جمع بين العديد من الحضارات، كانت فيما مضى المركز التجاري الأكبر لتجارة العبيد في الساحل الإفريقي.
اكتشاف جزيرة العبودية:
يقول الصحفي السنغالي، بابكر إنجاي الكولخي، إنه تم اكتشاف هذه الجزيرة من قبل البرتغاليين في القرن الخامس عشر، ثم استولى عليها الهولنديون بعد ذلك، وأطلق عليها اسم “غوري” في نوفمبر من عام 1677، ثم احتلتها فرنسا وإنجلترا وفرنسا مرة أخرى في عام 1817.
وأضاف في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن الجزيرة تعرضت للاحتلال من 4 دول بسبب موقعها الاستراتيجي، وجمالها الخلاب. وأوضح بابكر أن هذه الجزيرة صُنفت من قبل اليونسكو كموقع تراثي عالمي في عام 1978، مشيرا إلى أن جمال الطبيعة في الجزيرة يشعر الزوار بمشاعر خاصة أثناء التجول في أزقتها الضيقة والهادئة.
ويزور الجزيرة الغارقة في التاريخ ما يقارب 1000 سائح يوميا، إذا تضم العديد من المعالم السياحية التي لا توجد في مكان غيرها، مثل بيت العبيد وتمثال الحرية ومدرسة وليام بونتي القديمة، وغيرها.
بيت العبيد:
وفي الوقت نفسه يطل التاريخ بسجل شديدة القتامة، يملسه الزائر، فالجزيرة شاهدة مآسي الكثيرين مم عانوا من الرق. ويكشف الصحفي السنغالي أن بيت العبيد هو عبارة عن دار ينقسم إلى عدة عنابر لا تتجاوز مساحتها 6.76 متر مربع، وهي عبارة عن عنبر للنساء، وعنبر للأطفال، وعنبر للفتيات وآخر للرجال، بالإضافة إلى عنابر المتمردين لا يتجاوز سقفه 0.8 متر.
وأوضح أن هذا المنزل زارة شخصيات شهيرة مثل البابا يوحنا بولس الثاني، والرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، وحتى الزعيم الجنوب إفريقي الراحل، نيلسون مانديلا.
ويعتبر هذا البيت حسب بابكر شاهدا على موت الآلاف من الأفارقة في ظروف مروعة في انتظار العبور إلى أوربا والأميركتين، حيث سيباعون في سوق الرقيق.
وكان يستخدم الفناء حول الدرج كسوق، حيث كان التجار يزايدون على العبيد من الشرفة العلوية، ويتم وزنهم وتصنيفهم حسب الخصائص العرقية وبعد ذلك يرسل العبيد إلى ممر سفلي يؤدي الى البحر وكان العبيد الذين يمرون من هذا الممر لا يعودون، لذا يوجد هناك باب يسمي باب اللاعودة.
تمثال الحرية
وقبل الوصول إلى بيت الرقيق، يظهر تمثال الحرية من العبودية وهو عبارة عن رجل يفك أغلاله، إذا أوضح بابكر أن هذا التمثيل المليء بالرمز هو أحد أشهر مناطق الجذب في الجزيرة، موضحا ان التمثال البرونزي يزن 500 كغ، ويبرز تحت التمثال طبل كبير.
والفكرة الفنية التي أراد الفنان صياغتها حسب الصحفي السنغالي، هي أن الطبول حينها كانت تستخدم لجذب الناس وخروجهم من مخابئهم، فيتم اختطافهم إلى رحلة الموت أو الاستعباد.
مدرسة الزعماء :
وتحتضن هذه الجزيرة المؤسسة التعليمية الرائدة في بدايات القرن العشرين، وهي مدرسة ويليام بونتي التي أسست عام 1903، وتُعرف على أنها المدرسة النظامية الفدرالية لإفريقيا الغربية الفرنسية، إذ تشتهر مدرسة وليام بونتي بأنها مؤسسة تعليمية خرجت كوادر ومعلمين وأطباء حملوا على أكتافهم عبء تأسيس معظم دول غرب إفريقيا.
ويضيف بابكر أن هذه المدرسة يُطلق عليها اسم مدرسة القادة، إذ تخرج منها قرابة ألفي طالب من أبرزهم الرئيس الراحل لكوت ديفوار فليكس هوفوت بواني، وموديبو كيتا أول رئيس لجمهورية مالي، وحماني جوري أول رئيس لجمهورية النيجر، ومامادو جاه زعيم الاستقلال لجمهورية السنغال إضافة إلى الرئيس السنغالي عبدالله واد.
وتضم الجزيرة أيضا مدرسة “مريام باه”، الرائدة في نظام المدرسي السنغالي، حيث أوضح الصحفي السنغالي أن هذه المدرسة الثانوية، التي دربت أجيالاً من النساء الأفريقيات والسنغاليات، احترمت لعقود سمعتها كمدرسة ثانوية متميزة، موضحا أنه تم تسمية المدرسة على اسم الكاتبة اللامعة للرواية الأكثر مبيعًا “Une si longue letter Mariama Ba”، وترجمت هذه الرواية إلى جميع اللغات تقريبا. ويقع المركز التعليمي، مثل العديد من الأماكن العامة الأخرى، في مبنى قديم مصنوع من الحجر وقذائف الهاون القديمة.
جمال الطبيعة والمياه الفيروزية:
ويصف بابكر شواطيء الجزيرة أنها “ساحرة”، مضيفا أن شواطئ غوري تُعد من بين الشواطئ القليلة في داكار التي يُسمح لها بالسباحة على مدار السنة، لذلك في نهاية كل أسبوع، يأتي شباب وزوار داكار للسباحة في المياه الفيروزية التي تحيط بالجزيرة، وبعد السباحة أو حتى قبل ذلك، تتيح لك جولة قصيرة في الجزيرة عبر الأزقة النموذجية الصغيرة للجزيرة.
وتضم الجزيرة مجموعة فريدة من المباني التي يعود تاريخها إلى الحقبة الاستعمارية، حيث تجمع ثقافة كل من البرتغال بهندستها المعمارية، وفرنسا بفنها التشكيلية، وبصمات هولندا وإنجلترا، كما احتفظت الشوارع بأسمائها الأولى.
متحف غوري التاريخي
ورغم صغر مساحة الجزيرة إلا أنها أيضا تضم متحفا تاريخيا يضم مقتنيات تعود إلى تاريخ اكتشاف السنغال، حيث يقع المتحف في حصن شكله الدائري المميز وطابعه المهيب يجعلانه أول مبنى مرئي من البحر عندما يقترب الزورق الطويل من الجزيرة من داكار.
وتكريما لأحد أبنائها حسب ما وصف الصحفي السنغالي، تضم الجزيرة تمثالا لشخص يُدعى بليز جانج، المولود في 13 أكتوبر 1872 في غوري بالسنغال، وكان أول نائب إفريقي ينتخب في مجلس النواب الفرنسي، ويحمل مطار السنغالي الدولي اسم هذا العلم الكبير مطار بليز جانج.