يمر السودان بفترة كارثية في تاريخه الحديث منذ سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير وحتى يومنا هذا، فالأزمات والصراعات المتكررة بين الأطراف المدنية والعسكرية على السلطة أوصلت البلاد الى مرحلة صعبة سواء على الصعيد الإمني أو لإنساني أو الإقتصادي أو الإجتماعي.
تم مؤخرًا نقل العاصمة إداريًا الى بورتسودان بعد أن سيطرت قوات الدعم السريع على العاصمة الخرطوم، وهذا ما ساهم بحدوث خلافات بين مكونات مؤتمر البجا في شرق السودان، حيث أصبحت الأحزاب الإسلامية داخل المؤتمر مؤيدة وداعمة للقائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، وبنفس الوقت تعارض بعض الأحزاب الأخرى سياسات البرهان وتعاونه مع “فلول” النظام السابق في حرب الخاسر الوحيدة فيها هو الشعب، خصوصًا بعد الأنباء عن تخصيص أراضي في شرق البلاد لإقامة قواعد عسكرية مصرية.
تأسس مؤتمر البجا منذ حوالي 66 عامًا، ثم ظهرت 7 أحزاب رئيسية كمكونات لهذا المؤتمر المهتم بشؤون قبائل البجا وعموم شعب شرق السودان. بدأت بعد ذلك الخلافات بين مكونات مؤتمر البجا سواء على الصعيد خصوصًا على المستوى السياسي، حيث أصبحت الأحزاب المكونة لمؤتمر البجا أما مدعومة من الحركة الإسلامية في السودان التي يمثلها حزب الميثاق الإسلامي والمؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، وكذلك من غالبية قيادات الجيش التابعين للأحزاب الإسلامية، أو مدعومة من الدول الغربية، كما حال معظم الأحزاب المدنية السودانية بشكل عام في الوقت الراهن، حيث تسعى بعض الدول الغربية لفرض سياساتها في السودان للوصول الى مصالحها وأهدافها بالمنطقة وهذا عن طريق بعض الأحزاب المدنية التابعة لها.
منذ وصول الجيش السوداني الى بورتسودان لقيادة الفترة الحالية بعد خسارة الخرطوم في بداية الحرب مع قوات الدعم السريع، وخصوصًا بعد خروج البرهان من الحصار المفروض على القيادة العامة، تم الإتفاق بين الإسلاميين والجيش على التعاون ضد القوات “المتمردة”، وفي شرق السودان الأمر لا يختلف كثيرًا، حيث يعتمد البرهان على الأحزاب الإسلامية دخل مؤتمر البجا، والتي تدعمه بشكل مباشر في تخصيص أراضي لإقامة قواعد عسكرية مصرية ضمن إطار المساعدات التي يقدمها الجيش المصري للمؤسسة العسكرية السودانية في حربها ضد قوات الدعم السريع.
وعلى الجانب الأخر عاد رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الى الواجهة من جديد، حيث يسعى لتقديم مبادرة تسوية سياسية بالتعاون مع أطراف مختلفة وبمباركة من دول غربية، ولذلك إتفق مع بعض الأحزاب داخل مكونات المؤتمر الإسلامي لتكون ضمن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» بقيادة حمدوك نفسه.
وتفاقمت الخلافات بين مكونات مؤتمر البجا مؤخرًا بعد الأنباء الأخيرة عن تخلي البرهان عن مثلث حلايب وشلاتين بشكل نهائي وقانوني لجمهورية مصر العربية مقابل استمرار دعم الجيش المصري للبرهان، ووجود تقارير إعلامية تفيد بأن البرهان سيقوم بإعتقال شخصيات كبيرة من نظارات البجا لمنع أي معارضة أو احتجاج على هذا القرار في الوقت الراهن.
وذكرت مصادر محلية سودانية بأن البرهان نظرًا للمعارضة المتوقعة من قبل بعض نظارات البجا سيقوم بإعتقال موسى محمد أحمد من قبيلة الهدندوة، وآمنة ضرار من قبيلة بني عامر وغيرهم من القيادات التي ستعارض قرارات البرهان لكي لا تتأزم الأمور في الشرق قبل الإنتهاء من الحرب مع قوات الدعم السريع.
وبالمقابل تخطط بعض الكيانات المنضوية تحت المجلس الأعلى لنِظارات البجا أن تجدد احتجاجاتها ضد الحكومة السودانية، وستقوم بأغلاق الطريق الرئيسي الرابط بين الموانئ السودانية على ساحل البحر الأحمر وبقية مدن البلاد الأخرى، مما سيؤدي الى تضاعف الأزمات الإنسانية التي تعيشها البلاد منذ أبريل من العام الماضي.
وكان المجلس الأعلى لنظارات البجا قد رفض سابقًا مخرجات إتفاق جوبا للسلام، وهو إتفاق السلام بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة، لحل عقود من الصراعات في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق والتي أدت إلى تشريد الملايين ووفاة مئات الآلاف.
واليوم يرى المجلس أن البرهان لن يقوم بالإلتفات لمطالبهم التي قدموها منذ سنوات لتعديل مسار الشرق في إتفاق جوبا للسلام، وبالتالي ستعود بشكل قوي للإحتجاجات الشعبية وقطع الطرق الرئيسية.