جريدة لندنية : إقصاء الإسلاميين يسهل التسوية السياسية في السودان

عبدالفتاح البرهان: الحوار السياسي جارٍ لكنه لا يشمل الحركة الإسلامية وفلول البشير.

يعزز إقصاء الإسلاميين وفلول النظام السابق فرص التسوية السياسية في السودان والتي اتخذت مسارا إيجابيا رغم بعض العراقيل التي لا تزال تعترض طريقها. وإقصاء الإسلاميين وفلول البشير الذين وظفهم قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان في الفترة السابقة لإنشاء حاضنة شعبية، مطلب أساسي للقوى المدنية.

الخرطوم – أكد رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان الأحد أن المحادثات بشأن إطار عمل سياسي جديد للبلاد جارية، لكنه وجه تحذيرا شديد اللهجة للحزب الحاكم السابق من التدخل في الجيش أو حتى في السياسة.

وقال البرهان خلال لقاء مع ضباط من الجيش في قاعدة بشمال الخرطوم “نحذر المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية من المساس بالجيش وعليهم أن يرفعوا يدهم عن الجيش”، من دون أن يقدم أي تفاصيل .

وأضاف “الجيش لا ينتمي إلى أي حزب ولن نسمح بتفكيك الجيش أو السودان إلا على أجسادنا. ونقول للقوة التي تستهدف الجيش سنحميه بأرواحنا”.

وعقب إطاحة الجيش بحكومة البشير في عام 2019 على إثر احتجاجات شعبية امتدت لشهور حلت السلطات حزب المؤتمر الوطني وحظرت مشاركته في الحياه السياسية لعشر سنوات.

ولكن الحزب يستمر في التحرك على الساحة السياسية. فقبل أسبوع حشد الآلاف من الإسلاميين للتظاهر احتجاجا على الوساطات الدولية التي تحاول إخراج السودان من الأزمة التي يعيشها بسبب انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.

المؤتمر الوطني يرد على عبدالفتاح البرهان “لن نسمح لك بالمضي قدما في تسليم البلاد لمرتزقة وعملاء السفارات”

ورد الحزب على الفور على خطاب البرهان وكتب على صفحته على فيسبوك الأحد موجها الحديث إلى قائد الجيش “إنك تعلم يقينا حقيقة ولاء القوات المسلحة للتنظيم” الذي ينضوي تحته الإسلاميون.

وعقب إسقاط البشير قام المدنيون، الذين تم استبعادهم من السلطة إثر انقلاب البرهان، بمصادرة ممتلكات حزب المؤتمر الوطني وبعض أعضائه ولكن عقب الانقلاب أعادت السلطات ممتلكات بعض قادته كما استعادت وجوه إسلامية عدة مناصبها في الدولة.

وهاجم المؤتمر الوطني في بيانه الأحد البرهان وقال “لن نسمح لك بالمضي قدما في تسليم البلاد لمرتزقة وعملاء السفارات”.

ومنذ عام لم يظهر أي مشروع فعلي لتسوية الأزمة. والاقتراح الوحيد الذي تتم مناقشته من قبل المدنيين والعسكريين هو مسودة دستور أعدتها نقابة المحامين السودانيين ووافقت عليها القوى التي تدعم التحول الديمقراطي وتجد قبولا من المجتمع الدولي، وتنص على حظر أي نشاط لحزب المؤتمر الوطني خلال الفترة الانتقالية التي يفترض أن تستمر لحين إجراء انتخابات عامة لم يتم التوصل إلى توافق حول موعدها.

وجاء فيها “يُحظر خلال الفترة الانتقالية ممارسة النشاط السياسي لقيادات وأعضاء حزب المؤتمر الوطني المحلول، وتسجيل أو إعادة تسجيل جمعياته ومنظماته وواجهاته”.

ومن بين ما تنص عليه: إلغاء الوثيقة الدستورية الخاصة بالمرحلة الانتقالية لعام 2019 وإلغاء كل القرارات التي صدرت في أو بعد الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.

وعلى مدى الأيام الماضية خرج الآلاف من السودانيين لإحياء الذكرى الأولى للانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.

وفي ذلك اليوم تراجع البرهان عن كل التعهدات التي قطعها قبل عامين بتقاسم السلطة مع المدنيين تمهيدا لانتخابات حرة في السودان وأمر باعتقال كل القادة السياسيين والوزراء المدنيين في الحكومة ليستأثر الجيش بالسلطة.

السودان يشهد منذ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، احتجاجات تطالب بحكم مدني كامل وبإبعاد المكون العسكري عن السلطة الانتقالية

ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، يشهد السودان احتجاجات تطالب بحكم مدني كامل وبإبعاد المكون العسكري عن السلطة الانتقالية، وترفض إجراءات استثنائية فرضها البرهان وأبرزها حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.

ونفى البرهان صحة اتهامات له بتنفيذ “انقلاب عسكري” عبر تلك الإجراءات، وقال إنها تهدف إلى “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وتعهد بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.

وقبل إجراءات البرهان كان السودان يشهد منذ الحادي والعشرين من أغسطس 2019 مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024 ويتقاسم خلالها السلطة الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت اتفاق سلام مع الحكومة في 2020.

وحذرت أحزاب سياسية سودانية الأسبوع الماضي في مقدمتها الحزب الشيوعي من إمكانية أن يقوم أنصار البشير بتوظيف أذرعهم العسكرية داخل الجيش للقيام بانقلاب جديد يمكنهم من القبض على مفاتيح السلطة مرة أخرى.

وتشير قوى مدنية عديدة إلى وجود علاقة بين البرهان واحتجاج فلول النظام السابق الأخير بالتعامل اللين من قبل قوات الأمن معه، حيث سمحت بالتظاهر بلا اعتراض، بينما استخدمت العنف مع تجمعات أخرى طالبت بإنهاء الانقلاب على السلطة.

وتبدو تصريحات البرهان الأحد ردا غير مباشر على الاتهامات التي طالت الجيش بتوظيف فلول البشير والحركة الإسلامية.

وركزت الحركة الإسلامية في الفترة الماضية على استقطاب المزيد من الأنصار وعززت حضورها سياسيا مستثمرة الأزمة التي غرق فيها السودان بسبب الشد والجذب بين الجيش والمدنيين، فيما تحاول البروز كقوة بديلة للفوضى السياسية والاجتماعية، بجانب تحالفها مع قوى صوفية لديها صلات بنظام البشير نشطت الفترة الماضية عبر “مبادرة نداء أهل السودان” التي واجهت رفضا من القوى المدنية.

الإسلاميون لم يختفوا من الساحة السودانية منذ سقوط نظام البشير، وحزب المؤتمر الوطني الذي حظر القانون ممارسته للسياسة استأنف نشاطه بصور وأشكال مختلفة

ويقول مراقبون إن الإسلاميين لم يختفوا من الساحة السودانية منذ سقوط نظام البشير، وحزب المؤتمر الوطني الذي حظر القانون ممارسته للسياسة استأنف نشاطه بصور وأشكال مختلفة وطرح رئيسه من قبل إمكانية أن يكون الحزب معارضة مساندة للسلطة، لكن ذلك لم يكن مقبولا من القوى الأخرى ما دفع الإسلاميين للاستمرار في العمل السياسي وتكوين نشاط حزبي يمكن أن يصبح له تأثير على الساحة.

والأسبوع الماضي قالت مصادر إن قادة الجيش في السودان قدموا ملاحظات على مسودة الدستور كأساس لمحادثات بوساطة دولية، في إشارة إلى تخفيف الجمود السياسي المستمر منذ عام.

ومن شأن التوصل إلى اتفاق جديد أن يقود إلى استئناف الإصلاحات ويجتذب تمويلا أجنبيا تشتد الحاجة إليه.

وقالت المصادر إن المحادثات، التي بدأت بصورة غير رسمية الشهر الماضي بمشاركة الجيش وائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي تقاسم السلطة مع الجيش قبل الانقلاب، بدأت الآن في التوسع برعاية بعثة الأمم المتحدة إلى السودان.

وتحظى المحادثات بتأييد المجموعة الرباعية المؤلفة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات. وقالت الجبهة الثورية السودانية، التي تمثل معظم المجموعات المتمردة في البلاد، في بيان الأربعاء إنها مشاركة في العملية.

وطلب الجيش ردا على مسودة الدستور أن يسمح له بتسمية قائده العام، وذلك وفقا لشخص اطلع على الملاحظات، والتي تتضمن أيضا وجهة نظر الجيش بشأن إعادة هيكلة أنشطته الاقتصادية والتخلي عن البعض منها.

وقال مصدران من قوى الحرية والتغيير إنه جرى التوصل إلى تفاهم مع الائتلاف لعدم ملاحقة كبار ضباط الجيش قضائيا، لكنهما أضافا أن المشاورات ستستمر على نطاق أوسع بشأن موضوعات الحصانة والعدالة الانتقالية.