حذار من تكوين حكومة مدنية شكلية

ليس من باب التشاؤم وسوء الظن، وإنما من باب قراءة الأحداث.
حيث أنه لا يوجد توافق بين من يتصدرون المكون المدني، وبين من يتصدرون المكون العسكري على الأقل منذ أن نشبت ثورة ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ ،فما أن اجتمع هذان المكونان ووضعا أيديهما في يد بعض إلا وكانا مضطرين.
جاءت أحداث رفض الشارع إزاء حكم البشير، ومن بعده وزير دفاعه عوض بن عوف  ومن ثم استقر الوضع مع الفريق عبد الفتاح البرهان، فمهما يكن من تم رفضه، فهو في النهاية ينتمي لهذه البزة العسكرية، وبالتالي ليس من السهل أن يفصل بين من تم رفضه كأشخاص وبين انتمائهم لهذه البزة العسكرية.
وحتى الفريق عبدالفتاح البرهان لم يجلس مع المكون المدني بعد رفض البشير ومن بعده ابن عوف إلا عبر وساطة خارجية تمخضت عنها الوثيقة الدستورية.
رضينا أم أبينا ظل المكونان(المدني والعسكري) في صراع وعراك.
فالسلطة من خلال الوثيقة الدستورية لم توزع بينهما من حيث المهام، وإنما وزعت بينهما من حيث الفترات.
حيث تسلم الجيش الفترة الأولى على أن يستلم المكون المدني الفترة الثانية.
وكان يمكن أن توزع حسب المهام إزاء فترة واحدة إن كان هناك ثمة انسجام واتفاق.
وإن كان هذا التفسير قد يحسب أن فيه الكثير من إثارة البلبلة إلا أنه حديث لا بد منه وذلك لأن جزءا من حل الأزمات هو أن تواجه وأن تكون واضحة دون إخفاء أو إغفال.
الخطاب بين المكونين المدني والعسكري منذ بدياته لا يوحي بأن المكون العسكري سوف يسعى لتكوين حكومة مدنية.

هذه النبرة(الجيش إلى الثكنات) بغض النظر عن كونها تعني حرمانه من السلطة، فهي كذلك تحمل بين طياتها وتشير إلى عدم كفاءة وتقليل من الجيش.
صحيح أن مهمة الجيش هي الدفاع وحماية البلد إلا أن هذه المهمة هي جزء من كل.
هي جزء من السلطة لأن السلطة تشمل هذه المهام وتشمل غيرها.
فإن تحرم جهة ما من كل السلطة وتوجهها إلى أن تقتصر مهمتها لجزء منها، فهذا التوجيه لا يخلو من تقليل وعدم كفاءة أكثر من كونه يشير إلى تخصصية واقتدار.
هذا إذا لم يحسب سحر السلطة والاستيلاء والتحكم في إدارة البلد.
وفقا لكل ذلك ليس من المتوقع أن يصبح المكون العسكري فجأة يدعو لتشكيل حكومة مدنية اللهم إلا إن كانت هذه الحكومة مجرد غطاء يتدثر بها هذا المكون العسكري.
خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار أن العالم اليوم لا يعترف إلا بحكومة مدنية.
لن يأتي الاطمئنان لحكومة مدنية حقيقية إلا بجلوس المدنيين والعسكريين معا أما خروج هذه الحكومة من عباءة العسكريين فقط، فقد تكون مثار ريبة وشك إلى أن تثبت العكس.
وكذلك إن خرجت الحكومة المدنية من عباءة المدنيين فقط دون اعتبار للجيش ومكانته وخطورته، فسوف تظل مهددة بالانهيار والسقوط إذ لا توجد جهة تحمي الحكومة المدنية سوى الجيش.
إن قيام حكومة مدنية بدورها مقابل جيش مؤمن بمهامه ومستعد للقيام بها معادلة في غاية التعقيد والصعوبة لن تحل بطرف دون طرف.

لن تحل إلا بجلوس واتفاق الطرفين.
أما تبني ممارسة لعب طرف على طرف، فإن لم تكتشف اليوم، فسوف تكتشف غدا، ومن لا يقتنع بذلك، فلينظر إلى التاريخ، فما من سياسية أخفيت على الناس إلا وظهرت كفلق الصبح ولو بعد حين، وبالتالي خسرت كل ما قامت به.