فضل الله رابح
وصف رئيس الوزراء عبدالله حمدوك العملية الإنتقالية قبل قرارات 25 إكتوبر بالفوضوية للغاية وقال حمدوك لصحيفة ( فاينانشيال تايمز ) البريطانية قال : إعتدت أن أسمي هذا الإنتقال بالفوضوي ولكن خلال الأشهر الماضية إكتشفت أن وصفه بالفوضوي تقليل لما كان يحدث حقيقة ونوه إلي أن البلاد كانت تسير في منزلق خطير إلي الفوضي والحرب الأهلية .. نكتفي بهذا القدر من إعترافات حمدوك بصحة حيثيات قرارات الفريق أول عبدالفتاح البرهان وهذه سنة حميدة من حمدوك والرجوع إلي الحق فضيلة وشجاعة إذا صدقت النوايا وخلص العمل ولكن حديث حمدوك بقدر ما أنه مهم في سبيل الإصلاح الراهن وإستشراف المستقبل وبقدر ما إشتاق الشعب السوداني لهذا الإستحقاق الهام من إستحقاقات ثورة ديسمبر وهي الـ ( حرية .. سلام .. وعدالة ) لكن تبقي تصريحات حمدوك مشبعة بضباب ثقيل يسرق الفجر الذي يتوقعه الناس وينتظره المشهد السياسي من توجهات حمدوك الجديدة ليخرج السودان من ليل المرحلة الإنتقالية الفوضوية السابقة علي حد وصفه .. للحق إذا أردنا توصيفا دقيقا لما دار فيها نقول وبعلم حمدوك بل بدعمه وتوجيهاته المباشرة وبداية نستعير وقفة حمدوك وإحتفائه بأعمال لجنة إزالة التمكين وهو يدرك أن لجنة التمكين كانت العامل الأول والفاعل في تخريب الفترة الإنتقالية بممارساتها السياسية الإنتقائية والإنتقامية السيئة ، وأظنكم تذكرون زيارة عبدالله حمدوك مساء الخميس 1 / 7 / 2021 إلي اللجنة ، بمقرها بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم واجتماعه بمقرريها وأعضائها وهي الزيارة التي وصفها عضو السيادي الرئيس المناوب للجنة محمد الفكي سليمان وقتها بالتاريخية لأنها جاءت في اليوم التاني من قمع اللجنة لإحتجاجات 30 يونيو الشعبية السلمية وما قامت به اللجنة من إعتقالات وتعسف ضد المحتجين بعضهم ظل معتقلا لم يطلق سراحه إلا بعد قرارات 25 إكتوبر وبعضهم لازال خلف القضبان .. حمدوك وفي تصريحات صحفية مشهودة أكد ، دعمة للجنة من أجل القيام بدورها وأداء مهامها، مشيرا إلى أن زيارته للجنة تأتي من أجل تحيتها ودعمها لإنجاز واجباتها .. وتأسيسا علي كل ما ذكر فإن الإلتباسات التي أحاطت بالمشهد الفوضوي السابق لا تزال موجودة علي قارعة الطريق لمن يريد أن يستجلي حقيقة ضجيج تصريحات المسؤولين وتناقضاتهم وأولهم حمدوك ولكن إذا أراد رئيس الوزراء فعلا بعد عودته بالاتفاق السياسي أن يصحح مساره ويبتعد عن الأحزاب والشخصيات والناشطين الذين تسببوا في الفوضي وجروه إلي الفشل وينظر إلي مشاهد مستقبل السودان بعدسة حقيقية عليه أن يتبع القول العمل وأن يكون رئيس وزراء لكل السودانيين قولا وعملا .. وللأسف الإتفاق السياسي نص علي إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ما عدا الذين لديهم ملفات جنائية وحمدوك يتحدث فقط عن الذين تم التحفظ عليهم عقب قرارات 25 إكتوبر ولم يتحدث عن المعتقلين السياسيين الذين قاربت فترات حبسهم إلي الثلاثة سنوات فهذا إلتباس أول يثير القلق بعدم صدق توجه حمدوك وحسن نواياه في الانتقال وتهيئة البيئة للتوافق الوطني والتسامح وعدم إنزلاق البلاد في الفوضي والحروب الأهلية .. ويبقي السؤال قائما : ماهو المنطق والمسوق القانوني والدستوري الذي يجعل خالد سلك وعمر الدقير وآخرين طلقاء أحرار بينما أحمد هارون وأنس عمر وكمال إبراهيم ودكتور ـ نافع وبكري حسن صالح وآخرون معتقلون داخل السجون بدون تهم جنائية .. حمدوك بعد جلوسه علي كرسي مجلس الوزراء مباشرة سارع بالسعي لإطلاق سراح الذين أسهموا معه في صناعة المشهد الفوضي بينما صمت عن سجن قادة المعارضة المساندة علي رأسهم البروفيسور إبراهيم غندور .. هذه مقاييس ليست صائبة لرجل الدولة الأول وفيها مفارقات غير منطقية لأبعد الحدود لإن العدالة لا تتجزأ والحق ليس منحة من أحد فيجب أعطاء الجميع حقوقهم كاملة غير منقوصة إذا أراد عبدالله حمدوك أن يقود الفترة المقبلة بنزاهة وتجرد يسجل له في التأريخ .. فعلي إمتداد فترات عمل حمدوك سوا السنتين الأول أو بعد عودته الاخيرة لم نرصد له قولا ولا فعلا أو تدخلا منه لصالح الجميع بلا إستثناء .. حمدوك يدرك أنه يعمل وسط عيون مفتوحة علي كامل إتساعها تنتظر إلتقاط الهفوة لتزيد اللحظة تضجيجا ونريد من الرجل أن يكون متجرد في تصريحاته وعمله حتي لا تدخل البلاد في مزيد من الإلتباسات مثل تلك التي وصفها بالفوضوية والتي ألقت بظلالها السالبة علي الفترة الانتقالية السابقة ولا تزال ظلالها موجودة إذا لم يحسن رئيس الوزراء التعامل وتحقيق العدالة فحتما ستنتهي باللحظة الراهنة إلي إنفلات وستقود هذه التجاوزات وإزدواجية المعايير في التعامل إلي إحتقانات سياسية وشعبية وستكون هذه المرة أعقد مما كان يتوقعه السيد رئيس الوزراء وبسببه قال أنه وقع الإتفاق مع البرهان لحماية البلاد من حرب أهلية ..