لا تندهشوا إذا أصبح سعر النفط 150 دولارا للبرميل، وسعر الغاز إذا تضاعف ورفع معه أسعار الكهرباء إلى مستويات قياسية في كل القارة العجوز، كذلك لا مفر من ارتفاع أسعار القمع والزيوت والسلة الغذائية في أرجاء العالم. والأدهى أن كل ذلك يترافق مع موجة التضخم الآخذة في التوسع وضرب العالم بعد جائحة كوفيد 19 وصناعة الجدري في اوكرانيا من جانب اخري.
سيبقى العالم يحبس أنفاسه طالما الأزمة قائمة، فاللعبة أكبر مما يتوقع من يديرون الدفة. فليست روسيا للذين يصنفونها هي روسيا بوريس يلتسين أو روسيا ميخائيل غورباتشوف. وتقديري أن على الغرب والناتو ومن خلفه الولايات المتحدة أن يعيد حساباته وتقديراته تجاه شخصية قيصر روسيا الحالي، الحاد النظر والرؤية والصعب المراس. إنه فلاديمير بوتين الذي من الصعب أن تقرأ معه كل يريد وما يصبو إليه، فتحولات الرئيس بوتين الآنية قد تكون أوسع وأعمق مما يتخيل البعض، وما وضع السلاح النووي موضع الجهوزية إلا مثال على ما هو قادم.
قد يتفاجأ البعض ويقول إنه لم يكن بالحسبان أن سويسرا تخلت عن حيادها وقررت تجميد أموال روسيا، وأن فنلندا التي أرسلت رسالة حياد إلى بوتين قبل أسبوع قد تخلت عن حيادها وقررت الانضمام للناتو وإرسال أسلحة بكل ثقة إلى أوكرانيا، وأن ألمانيا وبعد 77 سنة خرجت من تحديات الحرب العالمية الثانية وبدأت في عسكرة الصناعات الألمانية لمستويات تخصص من خلالها 100 مليار يورو سنويا، وأن السويد التي بقيت محايدة منذ عام 1914 قررت إلقاء حيادها في البحر وأن تنضم للناتو.. من الواضح سيتجه العالم كله إلى الصناعات العسكرية نسبة لما كشفته الحرب الروسية الأوكرانية.
على ما يبدو أن التحولات قادمة والاحتمالات مفتوحة، بما فيها الاحتمال الوارد (النووي) الذي لم يكن بالحسبان.
لقد ظهرت مجموعة صور أيضا لم تكن في الحسبان، وعلى رأسها سقوط الأقنعة لمجموعة من المفاهيم التي لطالما تغنى بها الإعلام الغربي وصوّر نفسه فيها بدور الواعظ والقادر والمقدام والمعلم للأجيال دروب الديمقراطية والإنسانية والتعددية ونبذ العنصرية وغيرها.. والحديث يطول في هذا المجال.
أول الساقطين كان الإعلام صاحب الرؤية التمييزية بين لاجئ ولاجئ، فالأول قد يكون سوريا أو لبنانيا أو عراقيا أو فلسطينيا أو حتى أفريقيا، أما الآخر فهو أوكراني مميز ذو بشرة بيضاء، في حين الآخرون سُمر أو ربما سود البشرة لكنهم أنقياء القلوب معذبون هربوا مع عذاباتهم، فهل آويتموهم على غرار أبناء الجالية الأوكرانية. أليسوا بشرا ولهم حق الحياة ضمن معايير المساواة الإنسانية المفقودة للأسف!
الأوكرانيون مسيحيون من الدرجة الأوروبية الأولى من أرض كييف وخاركيف ودونيتسك، حيث ضياع الهوية والانتماء الديني بين الأرثوذكسية والكاثوليكية، في حين الآخرون المسيحيون والمسلمون منهم جاؤوا يحملون إرث سمرة السيد المسيح وطهارة منديل أمه البتول من أرض بيت لحم الطاهرة، جاؤوا من أرض يوحنا المعمدان الدمشقية الغالية، وأرض الرافدين في أور؛ مهد إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام.
الأوكرانيون، مع تقديرنا لمعاناتهم وعذاباتهم المدانة، إلا أن قيمتهم ليست لتميزهم بأنهم شقر وذوو عيون خضراء وزرقاء، فعهد التميمي الفلسطينية ابنة أرض السيد المسيح هي أيضا طفلة وقاصر وشقراء وذات عيون زرقاء، لكن العالم لم يقف أمام عذاباتها وأهلها وحتى يومنا الحالي لم يحرك الكون عرشه تجاه سبعين عاما من الاضطهاد للفلسطينيين وأغلب القاطنين في مناطق الشرق الأوسط.
الحقيقة تقول إن كثيرين سقطت أقنعتهم، وكما قال الشاعر محمود درويش “سقط القناع عن القناع عن القناع”. فعلى المدى القادم لن تسقط فقط الأدبيات الوهمية التي عاش الغرب عليها ورفع رايتها دهرا، بل سقطت أيضا مفاهيم حرية الإعلام حينما حُجبت معظم القنوات والوكالات الإخبارية الروسية، وتاليا أين ثقافة الرأي والرأي الآخر؟!! ربما يتحضر العالم لثقافة جديدة بعد الحرب الحالية، وما ستفرزه من نتائج ومفاهيم على كافة المستويات الإنسانية والاقتصادية والسياسية حتما!
لماذا تحلل أمريكا ضرب العراق والصومال وأفغانستان وتحرم على روسيا الدفاع عن نفسها وأمنها القومي.. بل ذهب إلى أبعد من ذلك تصنع السلاح البيولوجي على أرض كييف هل أوكرانيا منطقة محتله امريكياََ.. وهل مسموح لها صناعة الأمراض المعدية الفتاكة ويحرم على الدول الأخرى.. الآن الأوان أن يتعلم العالم أن التقييم بالقوة ولا بالتعامل الإنسان.