سلام جوبا.. من سيطلق عليه رصاصة الرحمة؟

عادت من جديد دعوات الحرية والتغيير المجلس المركزي للواجهة، لمراجعة وتعديل اتفاقية سلام السودان الموقعة في الثالث من أكتوبر 2020م بموافقة أطراف السلام وأهل المصلحة، وتحويل الاتفاق من اتفاق ذي طبيعة مناطقية إلى قومي، غير أن الموقعين يعتبرون تعديله مرفوضاً، وهو اتفاق تاريخي ويجب الوفاء بالعهود، وعلى الجميع أخذ قضية السلام قضية استراتيجية لبناء الدولة السودانية، وكأحد أركان المشروع الوطني الجديد، وأن نبتعد عن تجارب الماضي المؤلمة.

التواصل غير المباشر

وحذرت الحرية التغيير الكتلة الديمقراطية من تجدد النزاع حال عدم تنفيذ اتفاق السلام، ورحبت في بيان الثلاثاء بنوافذ التواصل غير المباشر مع الحرية والتغييرـ المجلس المركزي ـ ودعت إلى تطويرها إلى اجتماعات مباشرة. وطالبت بضرورة تنفيذ اتفاق سلام جوبا المبرم في أكتوبر 2020م، منبهة إلى خطورة عدم تنفيذه وتأثيره على برتوكول الترتيبات الأمنية، مما سيزعزع الاستقرار ويجدد النزاعات، وتطالب الحرية والتغيير بتعديل اتفاق السلام بالتشاور مع موقعيه، وهي خطوة تعارضها حركات تحرير السودان والعدل والمساواة والشعبية ــ شمال

وقال القيادي في الحرية التغيير محمد عبد الحكم لـ (الانتباهة): (إن ما ورد في رؤية الحرية والتغيير حول مراجعة اتفاق سلام جوبا مشروط بموافقة أهل المصلحة والموقعين على الاتفاق، وبعد نقاشات رأينا قصوراً في التنفيذ وإهمالاً للبنود المتعلقة بأهل المصلحة، ونحن تصورنا ان التوجه نحو صناعة مسارات لحل الأزمة كان توجهاً خطأً ويحتاج لمراجعة، ووضح ذلك خلال مشاهد كثيرة أبرزها تفجر الأزمة المستفحلة في شرق السودان، وأن المضي في المسارات لحل أزمة البلاد قوبل برفض واسع من العديد من أهل المصلحة).

وأكد أن مراجعة هذه الاتفاقية تهدف للتحول من اتفاقية ذات طبيعة منطقية في الحل إلى اتفاقية تكسب شمولاً في الحل يتحول لاتفاق قومي.

وكشف عن ان هنالك اتصالات مكثفة أجريت مع قيادات الحركات الموقعة على الاتفاق بهدف إخضاع الاتفاقية للمراجعة، وقال: (مازلنا ننتظر الرؤية النهائية لقيادات الحركات، كما أننا نعول بشكل رئيس على النقاش الوطني الشامل حول قضايا السلام المزمع طرحها للمناقشات الشعبية والرسمية التي تسوعب بشكل أساسي أصحاب المصلحة الحقيقيين، وقضايا الحرب واحلال السلام الشامل من قضايا الانتقال الاربع التي ستطرح للنقاش العام الموسع قبل التوقيع على الاتفاق النهائي مع الجانب العسكري).

وتوقع توقيع الاتفاق الاطاري خلال اسبوع أو اسبوعين، وهنالك تفاهمات جارية لتوقيع حركة العدل والمساواة برئاسة جبريل وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي على الاعلان السياسي، وأضاف قائلاً: (المضي نحو التوقيع متروك للآلية الثلاثية، ونحن ملتزمون دستورياً بالموقعين على اتفاق جوبا، أما بقية الناس نحن عندنا معاها شغلة).

التعديل مرفوض

ولكن المتحدث باسم الحرية والتغيير الكتلة محمد زكريا قال لـ (الانتباهة): (الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي ـ لم تجر اي اتصال رسمي معنا، ولكن هنالك نوافذ للتواصل تجمع الطرفين للتحاور في القضايا بالتفاصيل، وهنالك مراحل الاتفاق السياسي ومراحل الترتيبات الدستورية، واما قضايا التفاصيل فلم تتم مناقشتها، وأما تعديل الاتفاق فهذا الامر بالنسبة لنا مرفوض وهو اتفاق تاريخي ويجب الوفاء بالعهود، والذين يدعون لتعديل الاتفاق يمارسون نفس سلوك المؤتمر الوطني المحلول الذي لم يلتزم بتعهداته).

ويرى رئيس الحركة الشعبية ـ التيار الثوري ـ  ياسر عرمان أن الدعوة لرفض والغاء اتفاقية جوبا للسلام في ظل تزايد غضب جماهيري من سلوك بعض قادة الحركات أمر خاطئ في اعتقادي، وتجاهل ذلك أيضاً يجعل الاتفاق معزولاً، وقال: (نحتاج إلى تفكير خارج الصندوق للحفاظ على اتفاقية جوبا للسلام واستكمالها مع غير الموقعين، وعلينا أخذ قضية السلام قضية استراتيجية لبناء الدولة السودانية وكأحد أركان المشروع الوطني الجديد، وأن نبتعد عن تجارب الماضي المؤلمة، ومازال حديث الرئيس السابق جعفر نميري عن اتفاق أديس أبابا بانه ليس قرآناً او إنجيلاً ماثلاً، الأمر الذي فتح الطريق إلى حرب طويلة منذ ١٩٨٣ إلى ٢٠٠٥م, ونقض المواثيق والعهود أمر يجب أن نتجنبه، وأن نتذكر كتاب ذلك القاضي الجليل والوطني النبيل مولانا ابيل الير (نقض العهود والمواثيق)، واتفاقية جوبا للسلام لا تخلو من النواقص أولها قضية المسارات التي عارضناها في جوبا، والنواقص ليست حجة صحيحة لإلغاء الاتفاق، بل هي أدعى لاستكماله والالتزام به ومراجعته مع الموقعين عليه، سيما أن ثورة ديسمبر المجيدة أخذت السلام كقضية استراتيجية وعمود رئيس من أعمدة شعاراتها. وأخطاء قادة الحركات المسلحة لا تنفي نضال تلك الحركات الباسل ضد نظام البشير. واتفاق جوبا اتى بمكتسبات حقيقية لجماهير مناطق النزاعات يجب الالتزام بها وتطويرها لمخاطبة جذور الحروب والعمل على انهائها).

وقال عرمان في مقال له: (إذا كنا بصدد وضع وثيقة دستورية جديدة وعدم العودة لما قبل ٢٤ اكتوبر وإسقاط انقلاب ٢٥ اكتوبر، فهذا يعني أننا بصدد مراجعة كاملة وايجابية يمكن أن تشمل اتفاق جوبا بمشاركة اطرافه وإكماله بتوقيع القائدين عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، مما يسهم في إعطاء السلام عمقاً جماهيرياً جديداً وبعداً شعبياً في ظل تصاعد حملات معادية لاتفاقية جوبا، وفي ظل شح الموارد اللازمة لتنفيذ الاتفاق وعدم توظيف المتوفر منها بشكل صحيح، وفي ظل بيئة الانقلاب الطاردة، وفي ظل حملات معادية تأتي من داخل اجهزة نظام الحكم ضد الاتفاقية، ومعلومات مقصود منها تشويه الاتفاق، مع ضرورة إعطاء الترتيبات الأمنية الأولوية التي تستحقها في التنفيذ، وعلينا الابتعاد عن المطالبة بإلغاء اتفاقية جوبا للسلام، سيما ان قوى الثورة ناضلت من أجل ابرامها، وعلينا أن ندعم كل المكتسبات التي نالتها مناطق الحرب والتي تخاطب جذور ومسببات الحرب، وألا نزيد دائرة الاحتقانات الاثنية والانقسامات الجغرافية، فمصلحة السودان وقوى الثورة على النقيض من ذلك).

تقييم التجربة

بينما يدعو رئيس الحركة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة الأمين داؤود الموقعين عليه الى عقد ورشة لتقييم الاتفاق بعد ارتفاع الأصوات التي تتحدث عن الغائه وتعديله حتى نتمكن من الوقوف على التجربة في كافة النواحي، وأما بخصوص المسارات في الوسط والشمال والشرق في تقديرـ الأمين ـ أنها لم يستفد منها لا إنسان المناطق ولا القيادات، وقال ان الاقاليم لم تستفد من الاتفاق ويعتبر هذا خللاً في الاتفاقية.

واعترف في حديثه لـ (الانتباهة) بأن هنالك رفضاً واسعاً للمسارات بمفهوم مغلوط، وقال: (ان المفهوم الخطأ والمغلوط في تقدير السودانيين أن هذه المسارات أتت لتفكيك وحدة السودان، ولم تر الجانب الآخر وهو المكتسبات التي حققتها لأهل المناطق، بجانب ان الفراغ الدستوري وغياب الحكومة اثر في التنفيذ، لكن الحكومة الحالية فيها وزراء من أطراف السلام واتت بهم الاتفاقية والمفترض ان تنفذ الحكومة البنود وهي المسؤولة، ولكن هنا تمكن المعادلة الصفرية (حكومة جوبا) لم تنفذ اتفاق جوبا، لذلك يجب علينا تقييم التجربة).

وأقر بأن حالة التشظي والانقسام التي ضربت الجبهة الثورية أضعفت الاتفاقية بشكل واضح وصريح، الامر الذي قد يؤدي الى نهاية هذه الاتفاقية.