سناء حمد العوض تكتب : على ابواب سنة ستة السودان

العالم اليوم بين يدي فترة عصيبة وخطرة ابرز ملامحها ، التغير المناخي و الأزمة الاقتصادية العالمية واتساع رقعة الأزمات والحروب ، بلا شك ستؤثر هذه الثلاثية المدمرة على حياة مئات الملايين من البشر لكن اخطر نتائجها هي المجاعة حيث لا يمكن الفرار من ثنائية الجوع والموت حين ينعدم الغذاء وخاصةً الحبوب بأنواعها ، وهي فترة ليست بعيدة كما قال الرئيس الالماني شتاينماير قبل بومين ، – الاربعاء 25 اكتوبر -هناك “مناطق كثيرة في العالم مهددة بالمجاعة الجماعية والموت في الأشهر المقبلة”، وقال إن حرب روسيا وأوكرانيا “تؤثر على الدول التي لم تتعاف بعد من فيروس كورونا، وتؤثر سلبا على المناطق التي تجف فيها التربة وتصبح عقيمة بسبب أزمة المناخ”.،

ان السودان للاسف في قلب هذه العاصفة ، رُغم ان لديه امكانيات حقيقية لمساعدة الآخرين وانقاذ شعبه ، ولكن نخبه وقياداته السياسية والادارية مشغولة بجدل ديماغوغي حول الشرعية السياسية للحاكمين !! وبين الاوتوقراطية الحالية والتطلع لمستوى معقول من الديمقراطية والشوريّة .. وآمال بناء المؤسسات والحلم برؤية ناضجة لاعادة بناء الدولة السودانية … ورغم اهمية هذا النقاش الا انه في ظل الخطر المُحدِق وفي هذه المرحلة يُعدُ ترفاً مبالغاً فيه ..انتم مهددون في وجودكم وحياة ملايين البشر في اقاليم غرب السودان الكبير وغالب الشرق وجزء من الوسط الكبير والشمال ..على المحك ، وبعض هذه المناطق دخلت لاول مرة منذ 1888 في حزام المجاعة المتوقع حسب منظمة الفاو .

الاولوية الان هي تأجيل هذا النقاش الذي بلا نهايات وتصويب النظر قليلاً لانقاذ حياة السودانين البسطاء المهددون فعلياً خلال بضعة اشهر في استقرارهم ووجودهم، الاولوية الان هي تركيز الجهود في مجابهة الكارثة المقبلة والمؤكدة ، الاولوية لانقاذ ارواحهم وليس اشباع شهوة النخب المدنية والعسكرية للحكم والسلطة.

لقد شَغل جهاز الدولة المتهالك عن الاستعداد للخطر القادم ، الذي ستتأثر به حياة ملايين المواطنيين والوافدين المتوقعين .. بسبب معارك النخب ذاتية الهموم وقصيرة النظر .

إن استقرار السودان و بسبب التغيرات المناخية وشح الغذاء مهدد وبشدة على كافة الصُعُد حتى اذا وضعت تدابير كافية ! نعم ستقلل الأثر وترتب حركة النزوح واللجوء وتحفظ الامن لكنها لن توقفها ! ، لأن هذه الرحلة نحو حوض النيل حدثت مرات عديدة عبر التاريخ في مواسم الجفاف وشح الغذاء الكبيرة حيث ،تقصده قوافل الهاربين من الجوع ويحدث هذا دوماً على حساب المجتمعات المستقرة من السكان المحليين.. هذه رحلة ..لن يستطيع أحد ايقافها و لا يمكن أن يقلل من خطرها الا جهاز اداري قوي ورؤية واضحة وادارة حاسمة وسريعة تقلل من المخاطر ..وتجعل السودان محطة وليس مستقر .

على متخذي القرار السياسي في السودان تكوين خلية ازمة عاجلة لتدارك الوضع ووضع التدابير اللازمة ، فالبلاد ستكون في قلب هذه المأساة ربما بنهاية نوفمبر القادم او يناير القادم على افضل تقدير اذا لم تتخذ اجراءات سريعة وحاسمة للوقاية والمعالجة ، معلوم ان هناك شح حقيقي في سوق القمح العالمي بسبب تداعيات الحرب الروسية / الاوكرانية، وستنفذ معظم احتياطات الاقليم الذي نحن فيه من الحبوب خلال الاشهر الثلاثة القادمة !! في ذات الوقت الانتاج المحلي من القمح تتقلص مساحاته ولم تصدر سياسية تحفيزية للمنتجين ويتم الان تصديره للخارج !! وكل هذا يظهر عدم وجود وعي كافٍ بحجم الكارثة الوشيكة اولا تتوافر إرادة حقيقية للمعالجة ، محصول الذرة ليس بافضل حالاً .. ليس هناك مخزون استراتيجي في الدولة بعد ان تصرفت حكومة الدكتور عبدالله حمدوك فيه بتوزيعه لمزارع الدواجن المصادرة !!! وفي هذا الموسم لم يهتم احد بتوفير محصول استراتيجي يستخدم في هكذا ازمات من خلال دخول الدولة كمشترٍ أول للذرة او القمح ! ، ان كثير من المزارعين لم يستطع حتى الان حصاد محصوله بسبب غلاء الوقود ، وهو ذات السبب الذي بهدد الموسم الزراعي القادم …بل ان زراعة الخضروات حول الخرطوم مهددة لذات السبب !! ورغم سوء الاوضاع الا ان الوضع يزداد سوءاً ، بسبب وزارة المالية التي بدل ان تعمل على اصدار السياسات التشجيعية للمزارعين والمستثمرين واصدار السياسات المالية التحفيزية للمنتجين ، نراها مشغولة عبر ازرعها الايرادية في تحصيل الجبايات من المنتجين والقطاع الصناعي لتوفير التزامات اتفاق جوبا للحركات المسلحة !! مما دفع الكثير من المستثمرين في المجال الزراعي والصناعي لعرض اعمالهم للبيع ومغادرة البلاد …سيحدث نتيجة لذلك غلاء غير مسبوق في البلاد ، ويبدو للاسف ان بلادنا تكرر مرةً اخرى تجربة الخليفة عبدالله التعايشي الذي أدت قراراته السياسية وتدابيره الادارية والعسكرية لهجر القبائل المنتجة لاراضيها ولهروب المزارعين والتجار والحرفيين ..

وصادف ذلك شح في الامطار في افريقيا جنوب الصحراء ، وآفة الجراد ، فكانت مجاعة سنة ستة الشهيرة وسميت بذلك لانها كانت في 1306 هجرية !! وكانت المجاعة الأكثر تدميراً ، ونحن ايها السادة على ابواب سنة جديدة .. ستة .. حقيقية .. ومأساوية ،ان لم ننتبه جميعاً قبل فوات الأوان …فمع الجوع تتسع دوماً دائرة عدم الاستقرار والصراع ،
خارطة الدول المهددة بالمجاعة كبيرة وممتدة ؟ فهي تشمل اجزاء واسعة من اثيوبيا والصومال وجنوب السودان ودول بحيرة تشاد وصولاً لمالي والنيجر و شمال نيجيريا .. ومن المؤكد انه سيحدث نزوح منها نحو الاراضي السهلية المنخفضة والخصبة على النيل .
ان هناك فرصة لتغيير وجه هذا البلد المنكوب ،
استناداً على وفرة موارده المائية واراضيه الخصبة ، فالسودان هو الحل الاستراتيجي والسريع للجارة مصر ، في معالجة أمر الغذاء على المدى الاستراتيجي ، فهي تستورد 89% من حاجتها من القمح الان ، والازمة الروسية / الاوكرانية اثارها مباشرة عليها ولابد لها من حلول سريعة وعاجلة والا فانها ستشهد اضطرابات مجتمعية عنيفة وتصاعد في معدلات الجريمة ….

سيكون الوضع في الفشقة اكثر توتراً ، فأثيوبيا ستكون اكثر تصلباً و عدوانية في مواقفها !!خاصة وان الفشقة ليست في حزام الجوع او شح الامطار ، وستكون ولاية النيل الازرق والقلابات مفتوحة لاستقبال مئات الآلاف من اللاجئين الجوعى الذين سيغيرون التركيبة الديموغرافية هناك ، من ناحيةٍ أخرى ليس امام الخليج خاصة السعودية سوى التفكير في سهول السودان لتوفير الغذاء على المدى القريب .

ان الاستفادة من الموارد المائية والاراضي الواسعة والمسطحة ، وتقديم السودان باعتباره واحداً ضمن خمس دول يمكن ان تنقذ البشرية في ظل شح الأمطار والمياه ، يقتضي انتباهة عاجلة وسريعة لهذا الملف الحساس والتقصير في ذلك خطأ قاتل ثمنه ملايين الارواح ..،الا هل بلغت ..اللهم فأشهد.. …