فولكر صاحب خبرة اشاعة الخراب المشهودة في سوريا، منحازا لصالح تعميق الفوضى في السودان

في وقت سابق وبشكل بدا مفاجئاً، خاصة لمن لا يتابعون تفاعلات المشهد السياسي السوداني بشكل لصيق، سقوط ورقة التوت عن بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم (يونيتامس) ورئيسها فولكر بيرتس، بعد اتهامات قاسية له من الاتحاد الإفريقي اخترقت كل حُجب المداراة الدبلوماسية.

فولكر الذي حرص خلال عام مضى منذ بدء بعثته مهامها في السودان، على إظهار حياد وصدقية مفقودين، متدثراً بثوب منظمة الأمم المتحدة التي تثبت حتى اليوم عدم جدواها ومبررات وجودها، إلا في اطار كونها صالوناً يضع المكياج اللازم لقرارات وأجندات الدول الكبرى التي تسوس العالم وفق مصالحها الخاصة.

ظل فولكر صاحب خبرة اشاعة الخراب المشهودة في سوريا، منحازا لصالح تعميق الفوضى في السودان، حريصا على الدفع بأقلية حزبية خفيفة الوزن، وقد تبنت برنامجا سياسيا يستهدف القيم والمعتقدات والسلم الاجتماعي وإلحاق البلاد بركب الاستعمار الجديد.

ويبدو أن السحر قد انقلب على الساحر، فقد خطط فولكر أن يعطي مصداقية أكثر لما يقوم به بزعم بناء توافق سياسي سوداني يعبر بالمرحلة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس عمر البشير في أبريل 2019، فشكّل ما عرف بالآلية الثلاثية برئاسته لانجاز الوفاق السوداني، وضمت بعثة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومجموعة شرق ووسط أفريقيا المعروفة اختصارا بدول (الإيقاد).

بيد أن الاتحاد الأفريقي لم يصبر على تجاوزات فولكر وانحيازه، فأعلن بصوت جهير تعليق مشاركته في هذه الآلية، واصفا على لسان ممثله ما يجري داخل الآلية بعدم الشفافية، وعدم الصدق، وعدم احترام الفاعلين، وعدم المساواة بينهم.

كما لم يتوان في استخدام عباراة قاسية مثل الإقصاء، والتمويه، والمراوغة. وقيل أن مواجهة بين فولكر وممثلى الاتحاد الافريقي دارت داخل الغرف المغلقة، تضمنت اتهامات لفولكر بالعمل على افشال الحوار بين الفرقاء السودانيين لصالح احزاب الأقلية التي تحاول إعادة سيطرتها على السلطة إبان فترة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.

ويعتقد ممثلو الاتحاد الأفريقي أن فولكر ظل يتحرك بغموض متعمدا استخدامهم الاتحاد فيما “عملية تدمير السودان”.

ولعل مما رشح عن اسباب غضبة الاتحاد الأفريقي، أن فولكر سعى لمنع كثير من الفعاليات السياسية والمجتمعية من حضور الجلسة الافتتاحية للحوار المعلن من قبل الآلية الثلاثية وكذلك الإصرار على اقصاء من يصفهم بالاسلاميين وبحلفائهم والطرق الصوفية، حتى لا تبدو الأحزاب التي ينحاز إليها معزولة وفي ذات الوقت سعى لترتيب لقاء بين مجموعته والمكون العسكري خارج اطار الآلية الثلاثية، بهدف المضي إلى اتفاق ثنائي يستثني تلك الفعاليات التي تمثل الأغلبية وتشكل في ذات الوقت ممانعة قوية لخططه المرتبطة بالأجندة الخارجية معلومة الأهداف.

فالاتحاد الأفريقي تنبه إلى أن فولكر يتعامل بوجهين ويستخدمه ككمبارس لمآرب خفية لا علاقة لها بتحقيق الوفاق في السودان.

والحقيقة أن فولكر غير حريص على تحقيق أي اتفاق حتى على مستوى ثنائي بين مجموعته والمكن العسكري ما قبل 30 يونيو الجاري حيث ينتظر أن تحسن تظاهرات دعت لها مجموعته في ذلك اليوم من موقفهم التفاوضي.

إن ما يخشاه فولكر التوافق على اتفاق سياسي وطني يشمل كل ألوان الطيف السياسي وكل القوات النظامية، يؤكد على وحدة البلاد وأمنها وسلامتها واستقرارها.

وإقامة نظام حكم ديمقراطي تعددي وتأسيس دولة القانون التي أساسها على المواطنة التي تقوم على الحقوق والواجبات وتعلى قيم العدالة والمساواة وحقوق الانسان. الأمر الذي ينتظر أن يوقف ما تعانيه البلاد اليوم من تدهور سياسي وأمني واقتصادي.

إن القوة السياسية الوطنية مدعوة لسحب البساط من فولكر واعادة الثقة بينها وتهيئة المناخ وضمان اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ووقف خطابات الكراهية والتخوين وتعزير قيم العيش المشترك، مع التأكيد على احترام وكفالة الحريات وفق القوانين والمواثيق والاعراف المرعية، محلياً ودولياً.

مع التأكيد على قومية الجيش وكافة القوات النظامية، التي هي السلطة المؤسسة والراعية للانتقال تتولى صلاحيات مجلس الامن والدفاع من موقعها العسكري اسوة مع الأخذ في الاعتبار تجربة الانتقال في ابريل 1985، بعد سقوط نظام جعفر نميري.

ولن يستقيم أمر الانتقال السلس ما لم يتم اختيار وتسمية رئيس الوزراء من ذوي الكفاءات الوطنية المستقلة واصحاب التجربة والخبرة ومنحه كافة الصلاحيات لتكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة غير منتمية حزبيا من ذوي الخبرة والتجربة بالتشاور والتنسيق مع كافة الأطراف السياسية والمدنية والعسكرية.

وبالضرورة وجوب تشكيل مجلس الامن والدفاع الوطني بصلاحيات واسعة فيما يخص قضايا الامن والدفاع.

بما في ذلك الاشراف على دمج قوات المليشيات المختلفة التي ارتضت النهج السلمي في الجيش القومي.

كذلك لابد من استكمال المؤسسات العدلية مثل مجلس القضاء العالي، والنيابة العامة، والمحكمة الدستورية، فضلا عن إنشاء مفوضية مكافحة الفساد ويندرج ضمن اختصاصاتها مراجعة وتفعيل عمل لجنة ازالة التمكين بما يضمن تحقيق العدالة اتساقاً مع القوانين السارية.

كذلك تكوين المجلس التشريعي (البرلمان) من كافة مكونات المجتمع السوداني. والأمر المهم الذي يمهد لقطف ثمار هذا التوافق المرتجى هو ضرورة تشكيل المفوضية العليا للانتخابات لتشرف على قيام انتخابات حرة ونزيهه وشفافة بنهاية الفترة الانتقالية وتشكيل برلمان يضطلع بوضع دستور دائم للبلاد.

ياسر