أثارت مسودة لمشروع قانون جهاز الأمن الداخلي غضبا كبيرا في الشارع السوداني، وقالت شخصيات وكيانات سياسية ونقابية، إنه يحتوي على مواد صادمة وقمعية، تتيح إعادة إنتاج أمن نظام المخلوع عمر البشير السيء السمعة.
ومن جانبه رأى وزير العدل السوداني أن الانتقادات الموجهة لمشروع القانون، بنيت على معلومات غير دقيقة، دون أن يشير صراحة إلى صحة أو عدم صحة النص المتداول لمشروع القانون.
دواعي سخط الشارع
يتكون القانون المقترح من 69 مادة، لكن المواد 10 و11 و12 و17 و18 هي الأكثر إثارة للجدل.
وتعطي المادة 10 ضباط وأفراد الجهاز حق استدعاء الأشخاص والقبض عليهم واستجوابهم وأخذ أقوالهم.
وتنص المادة 11 على أن يمارس أعضاء الجهاز سلطات الشرطة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائي
كذلك تنص المادة 12 على أن تعمل قوات الجهاز تحت القيادة العليا لمجلس السيادة وتخضع للسلطة التنفيذية.
أما المادتان 17 و18 فتتيحان لمجلس السيادة تعيين مدير الجهاز ونائبه وضباطه.
ونصّ القانون في تعريف ضابط الجهاز بأنه من كان يعمل في الجهاز السابق، بما يعني إعادة استيعاب أشخاص يمكن أن يكونوا من المصنفين كمنتهكين لحقوق الإنسان.
كما منح القانون رئيس مجلس السيادة صلاحية انتداب قوات الاستخبارات للجهاز، ومنح الجهاز حصانات واسعة ومحاكم خاصة، وسلطة سحب حتى القضايا من أمام المحاكم العادية.
ورأى كثيرون أن مشروع قانون جهاز الأمن الداخلي يتعارض مع الموقف المعلن بشأن وجود جهاز أمن يختص فقط بجمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات التنفيذية.
واعتبرت نقابة المحامين السودانيين أن مشروع قانون الأمن الداخلي “ردة تشريعية” من عدة نواحي، إذ يمنح أفراد الجهاز سلطة قضائية في القبض والحجز في الحراسات الخاصة.
وسلطة التحري الواردة بقانون الإجراءات الجنائية وسلطة التفتيش والمحاكم الخاصة، كما أعطى منسوبي الجهاز حصانات تتيح إنتاج ممارسات النظام السابق.
وحذرت النقابة من إجازة مشروع القانون بصورته الحالية، وقالت إنه أمر يستوجب عاجل التصحيح، ونبهت إلى أن من أهم واجبات الحكومة الانتقالية التطهر من تركة النظام البائد.
التشريعية عبر استلهام إرادة الشعب واستكتاب القانونيين والخبراء وأصحاب المصلحة، والعمل على تحقيق شعارات الحرية والسلام والعدالة.
وأكدت عدم قانونية إجازة مشاريع القوانين خارج إطار السلطة التشريعية ممثلة في المجلس التشريعي، منتقدة استمرار إجازة القوانين عبر سلطة الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء.
وفي ذات السياق، قال الحزب الشيوعي السوداني، إن القانون يشكل تهديدا للحريات العامة، وللحقوق الواردة في المعايير الدولية وفي وثيقة الحقوق.
ومن جانبه أكد “التجمع الاتحادي” المشارك في الحكومة الحالية سعيه المستمر لإبداء الرأي من داخل مؤسسات الفترة الانتقالية حول إصلاح القوانين.
ومدّ المؤسسات العدلية بمشروعات القوانين والتشريعات، لكنه أشار وفقا لبيان منسوب إليه إلى أن القوانين أصبحت تعد ويدفع بها عبر وزير العدل للمجلسين دون مشورة أو رأي من جهة لها الحق.
ويؤكد هشام أبو ريدة المحامي والقيادي في الجبهة الوطنية العريضة، أن بعض مواد القانون مثل المادة 10 هي نفسها التي كانت سائدة وتعطي نفس الصلاحيات والآليات التي كانت موجودة في السابق، والتي يفترض أن تكون من صميم عمل الشرطة.
وشدد أبو ريدة على ضرورة أن تتركز سلطات الجهاز على جمع المعلومات فقط، مضيفا في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “ليس أمرا مدهشا إعادة إنتاج قوانين النظام البائد في ظل عدم وجود تغيير حقيقي. هذه القوانين تعيد الناس إلى ما قبل الثورة”.
ووفقا للإعلامي وائل محجوب، فإن قانون جهاز الأمن الداخلي الجديد يمثل الاستبداد عبر وضع الجهاز تحت سلطة غير موجودة لا من ناحية التوصيف الوظيفي، أو التعريف الدستوري.
ويقول محجوب لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن القانون يتجاهل دور ومسؤولية رئاسة الوزراء.
إذ ينص على تلقي وزير الداخلية الخاضع لسلطة مجلس الوزراء الأوامر من خارج المجلس الذي يخضع له، كما يعطي مجلس السيادة سلطة تعيين مدير الجهاز ونائبه والضباط.
ويوضح محجوب أن أجهزة تنفيذ القانون من أمن وشرطة أجهزة نظامية مدنية وليست عسكرية، ولن تعبّر قوانينها إلا عن هذا الواقع، ولا ينبغي لها أن تتبع وتخضع للسلطة المدنية.