قحت – الفولكرية


ما كان يُسمى ب “قوى الحرية والتغيير” وهو التحالف السياسي الذي طفح على سطح الأحداث بالتزامن مع ترتيبات إنقلاب اللجنة الأمنية لنظام الرئيس البشير، هي الآن أربع مجموعات، تختلف عن بعضها ليس في الحجم فحسب، وإنما أيضاً في التأثير على مسار الأحداث التي يشهدها السودان.

لدينا الآن (قحت – التوافق الوطني)، وهي الجسم الذي يضم تحالف الجبهة الثورية ممثلاً المجموعات المسلحة من دارفور والنيل الأزرق ومجموعات من شرق السودان ووسطه وشماله؛ ولدينا (#قحت – المجلس المركزي)، وهي التحالف الذي يضم حزبي الأمة القومي والمؤتمر السوداني و فصيلين من فصائل حزب البعث و فصيلين آخرين يرفع أحدهما لافتة الحزب الناصري ويرفع الآخر لافتة الحزب الجمهوري. ويقف مع هذا التحالف بعض الأفراد الذين كانوا يمثلون تجمع المهنيين؛ ولدينا (قحت – المجموعة الوطنية) وهي تجمع يضم فصيلين آخرين من أحزاب البعث ومجموعتين منشقتين من كل من الحزب الناصري والحزب الجمهوري. ولدينا أخيراً الحزب الشيوعي الذي قرر منذ سنتين “فرز عيشته” ممن أسماهم بقوى الهبوط الناعم، واختار أن يأخذ نصيبه من تجمع المهنيين ويتحالف مع مجموعتين متمردتين هما مجموعة عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان وعبد الواحد محمد نور في دارفور.

المجموعتان الثانية والثالثة هما ما نعني بعنواننا أعلاه، والنسبة هنا، ليست ل “فولكلور” أي التراث الثقافي وإنما للسيد فولكر بيرتس الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في السودان- رئيس بعثة يونيتامس، فهو مَن يقوم بمهمة التبني وواجب الرعاية لهذه المجموعة منذ أن وطئت أقدامه أرض السودان !!

وحتى لا نظلم السيد فولكر بيرتس، أو نحمّله فوق ما يجب أن يتحمل، نقول إنه ليس بصانع أحداث، وإنما هو موظف كبير اختارته العناية الخارجية لينفذ لها أجندتها في السودان، ونعني بالعناية الخارجية التحالف الغربي وعلى رأسه مجموعة الترويكا (النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية) وحلفاءهم الإقليميين، وهو التحالف الذي استثمر في مشروعات إسقاط نظام الإنقاذ لفترة طويلة، وفي مشروع إعادة هندسة المجتمع السوداني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وما يزال يعمل على ذلك. وكانت أداته في جانب كبير من هذا هي (قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي) التي حكمت السودان خلال الفترة من أول سبتمبر ٢٠١٩ إلى ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، وأنجزت بعضاً مما كان مطلوباً منها لتغيير وجه الحياة في السودان.

الفرق بين رؤية الحزب الشيوعي وحلفائه من قيادات التمرد وبين حلفائه السابقين في قوى الحرية والتغيير هو أن الشيوعي يتبنى مشروع التغيير الراديكالي عن طريق “الثورة المحمية بالسلاح” بينما نجد أن مجموعة المجلس المركزي هي واجهة المشروع الغربي الهادف لإعادة هندسة المجتمع السوداني، وإحدى أدواته، وأن السيد فولكر بيرتس بمثابة “المنسق المقيم” للمشروع، والسيد فولكر لا ينكر هذا الدور ولكنه لا يسميه بهذا الاسم، فهو عندما يقول “لن نتسامح مع العنف ضد المتظاهرين” أو يقول إنه “لن يشرك حلفاء المؤتمر الوطني السابقين في الحوار الذي يُزعم أن الآلية الثلاثية تيسره، أو غير ذلك من التصريحات والتلميحات، إنما يُعبر عن موقف سياسي يتجاوز دور الموظف الأممي حتى لو كان هذا الموظف هو أنطونيو غوتريس، ويتدخل في تفاصيل شأن سياسي داخلي يخص دولة مستقلة ذات سيادة!!

ليس لديّ أدنى شك في أن الرعاية التي تجدها “قحت – الفولكرية ” من السيد فولكر بيرتس، دون غيرها من القوى السياسية السودانية، ليست مجرد صدفة أو حدث عابر، ولا حتى وقوفاً إلى جانب “المطالبين بالديمقراطية” كما يزعم الداعمون، وإنما هي جزء من مشروع هندسة المجتمع السوداني وصناعة مستقبله على نحو يُراد لنُخبه أن تكون أداة طيعة في أيدى القوى الأجنبية الباحثة عن مصالحها حتى لو كانت تلك المصالح على ركام السودان ورماد النيران التي يجري إشعالها في أطرافه منذ عقود.

على النخب السياسية والعسكرية، ممن ما تزال لديهم نخوة وطنية، أن تدرك أن سيادة البلاد يتم قضمها شيئاً فشيئاً بواسطة قوى خارجية لبست مجموعة المجلس المركزي خاتماً في أصبعها وتريد أن تتحكم بواسطتها ليس في حاضر البلاد فحسب وإنما أيضاً أن ترسم مستقبلها على الكيفية التي تريدها، وأن كل هذا يُراد له أن يتم في ظل تغييب متعمد لإرادة السودانيين وبواسطة مجموعات مصنوعة لم يفوضها أحد لحكمه، يُلبسونها لباس “المدنية”
العبيد أحمد مروح