السودان بلدٌ منكوب منكوبٌ بما عاناه من استبداد واستغلال وإفقار خلال خمسة قرون من حكم عمر البشير والزمرة العسكرية والصادق المهدي وما خلّفته هذه الحكومات من خراب.. ومنكوبٌ بأزمة اقتصادية ناجمة عن ذلك الإرث الأثيم في مرحلة انتقالية مجهولٌ مآلها لما بين إرادة التغيير الشعبية وتشبّث العسكر بالحكم من هوّة شاسعة ومن احلام الغرب في السيطرة علي السودان.
هذا وقد كانت حالة السودان الاقتصادية رديئة قبل الجائحة ، إذ لم يبلغ ناتجه الإجمالي سوى 714 دولاراً للفرد في عام 2019 حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، بما يضعه في أسفل قائمة بلدان العالم، ولا تزيد فقراً عنه سوى 13 دولة كلّها، عدا أفغانستان، من دول أفريقيا جنوبي الصحراء.
إزاء هذه الحالة الوخيمة لبلد منكوب، قام شعبه بالانتفاض على طغمته العسكرية وكسر استبدادها واستعاد حريته ورسم خارطة طريق من أجل استكمال انتقاله إلى جمهورية ديمقراطية مدنية وهو لا يزال يواجه عقبات عديدة على هذا الدرب، كان يمكن التوقّع أن تهبّ الدول الغربية الديمقراطية إلى نجدة السودان ومساعدة شعبه على تخطّي المحنة الاقتصادية واستكمال الانتقال الديمقراطي. وأقل ما توجّب على هذه الدول فعله هو إلغاء كافة العراقيل والعقوبات التي كانت قد فرضتها على سودان عمر البشير، وإلغاء ديونه التي ينتمي معظمها إلى فئة «الدَين البغيض» أي أنها ديون لا يجوز فرضها على شعب السودان مع كل هذه الازمات تستبزه امريكا وتغرمه مبلغ ٣٣٥مليون دولار .. وتمنعه الامم المتحدة من حق التصويت لعدم سداده ما عليه .
فإن لما تمارسه الأمم المتحدة وامريكا حالياً على السودان اسماً هو الابتزاز، وهو جرمٌ يعاقب عليه القانون في كافة بلدان المعمورة، لكنّه بلا عقاب في العلاقات الدولية التي لا زال قانون الغاب يحكمها.وإنها لمفارقة كبرى أن تبتزّ أكبر دولة إرهابية في العالم إحدى أفقر الدول.
هذا ولا تضاهي قذارة الابتزاز الأمريكي والأمم المتحدة والبنك الدولي.. سوى حقارة الخضوع له في الخرطوم، بل المساهمة في تسهيل ممارسته على شعب السودان. وبالطبع يأتي على رأس من يسلك هذا المسلك البرهان نفسه.