كلمة البرهان في سلاح المدرعات تضمنت إشارات واضحة لتجاوز خطأ كورنثيا؛ الخطاب في مجمله يرتكز على مشروعية مغايرة لمشروعية الشراكة مع قحت، و لم يتطرق إلى هذه الشراكة إلا ضمن إطار عام يشمل كل القوى السياسية حيث طالب بوضوح بضرورة الوحدة الوطنية و إشراك كل القوى السياسية بما في ذلك القوى التي خارج قحت.
بل أكثر من ذلك؛ يُمكن ملاحظة نبرة عدائية تجاه الشريك المدني في خطاب البرهان، حيث قال إنهم – أي القوات المسلحة- هم الذين يحرسون البلد و لا أحد غيرهم و يحرسون التغيير؛ و لكنه مضى إلى أبعد من حراسة البلد و التغيير إلى القول بأن هذه القوات هي التي س” تسوق التغيير سواقة و توديهو محل دايرة توديهو؛ ما في زول بسوقه تاني؛ نحن دايرين نسوق البلد دي نوديها لإنتخابات حرة نزيهة … إلخ”.
من الواضح أن البرهان يتكلم مع كل القوى السياسية بأستاذية و وصائية واضحة حيث يطالبها بالتوحد و العمل من أجل تحسين الأحوال؛ قال “نحن لسسه ما فقدنا الأمل فيهم”؛ و لكن ماذا لو قرر البرهان أنه فقد الأمل في القوى السياسية ؟ شخص يتكلم بهذه النبرة الاستعلائية سيكون تصرفه المتوقع معروف. و في الواقع هو يتكلم عن قيادة الانتقال نحو الانتخابات لأن هذه هي رغبته كقائد الجيش قبل كل شيء و ليس لأنها رغبة القوى السياسية أو الشعب، يتكلم و كأن الأجهزة الأمنية هي الصانع الأساسي للتغيير!
و قد قال صراحة قال: “نحن- أي قادة الأجهزة العسكرية- دايرين نصلح حال البلد دي، دايرين نلم القوى السياسية بنتكلم معاهم يوميا نطالبهم بأن يوحدوا أنفسهم، قلنا للحرية و التغيير توحدي زي ما كنتو يوم 11 (يعني 11 أبريل) و جيبو معاكم القوى السياسية الأخرى و تعالو كلنا نمشي سوا مع بعض … “.
و بالفعل فإن القوى السياسية كلها حكومة على معارضة هي من الفشل و الهوان بحيث يخبرها عسكري جيش ما يتوجب عليها فعله!
جمعينا رأينا منظر لجنة إصلاح الحرية و التغيير في لقاءها قبل فترة مع البرهان و هو يلقي عليهم الدروس مثل التلاميذ (الشريك المدني الذي يلجأ إلى رئيس مجلس السيادة العسكري لمناقشة نقسام الشريك المدني و مشاكله الداخلية!)
بالنسبة ل”المحاولة الانتقلابية” فلا يبدو البرهان منزعجا منها؛ و يبدو لي من كلامه و كأنها كانت محاولة من بعض الضباط الساخطين من الوضع و كلام البرهان كأنه يقول لهم إذا فكرنا في الانقلاب دعونا نتوافق على ذلك جميعا مثل ما فعلنا يوم 11 أبريل! و هو لا يُوجه و لا حتى مجرد توبيخ على القيام بهذه المحاولة.
البرهان في سياق تطمين العساكر قال لهم بأنهم يعملون على عدة حلول مع القوى الوطنية (في إشارة لإطار أوسع من إطار كورنثيا ) و تكلم بنبرة تحدي قوية حادة تجاه من يشككون في القوات الأمنية قائلا هي صمام أمان البلد “الرضا رضا و الما رضا ما رضا و ما بنخاف من زول …” ، و واضح أن رسالته موجهه للشريك المدني و قواعده التي ظلت تهاجم البرهان شخصيا و تتهمه بالتواطؤ مع احتجاجات الشرق و تتهم الأجهزة الأمنية كلها.
أحزاب قحت في موقف حرج للغاية؛ إذ يبدو بوضوح أنها أصبحت مدينة للعسكر ببقاءها في السلطة بعد أن فقدت أي سند جماهيري؛ ف”المحاولة الانقلابية” اليوم تصدت لها الأجهزة الأمنية و ليس قوى الحرية و التغيير؛ و هذا يجعلها مدينة للجيش، و لكن في الوقت نفسه ترتفع نبرة البرهان ضدها بوضوح. فهي خسرت السند الشعبي، و خسرت القوى السياسية خارج قحت و لكنها لم تربح العسكر كما يبدو.
خلاصة الأمر؛ هذا المشهد قد وصل لنهايته؛ إطار شراكة كورنثيا قد تصدّع و على وشك الزوال. و هذا أمر جيد؛ و لكن هناك أمر سيء يتمثل تولي العسكر بقيادة البرهان لزمام المبادرة بشكل كامل، في ظل غياب تام للمبادرات السياسية المدنية بسبب العقم و انسداد الأُفق السياسي لأحزاب السلطة بشكل أساسي و بسبب هشاشتها و ضعفها، و لكن أحزاب المعارضة كذلك تتحمل المسئولية فهي لا تقدم حتى الآن أي بديل. المطلوب الآن بلورة اتجاه سياسي واضح ينتهي بالفعل بإنتخابات و تسليم السلطة لحكومة منتخبة و عدم ترك المبادرة بشكل كامل في يد البرهان؛ يجب أن يتم تحريك كل المكونات السياسية و الاجتماعية للمشاركة بفعالية في صياغة الدستور و الذي سيحدد نظام الحكم و عدم ترك الأمر عرضة للتلاعب، كما يجب بالطبع تغيير الحكومة التي ستشرف على عملية الانتقال من الآن و صاعداً.
في هذا الإطار يبدو حراك الشرق و الشمال هو حراك في الاتجاه الصحيح لمجرى الأمور، اتجاه يتكلم بالفعل نحو ما ينبغي أن يكون؛ إذ يطالب بتكوين حكومة كفاءات و تكوين مفوضيات و المحكمة الدستورية ضمن مطالب أخرى قابلة للتعديل بالطبع؛ بينما محاولات قحت اليائسة تحاول إبقاء الامور على ما هي عليه أو حتى إعادتها للوراء، و لكن هذا مستحيل. الاتجاه الصحيح هو تجاوز الوضع السياسي الحالي، و أي حل مطروح يجب أن يكون في هذا الاتجاه.
حليم عباس