تتواصل الاحتجاجات الحاشدة في الخرطوم وضواحيها، الجمعة، للمطالبة بإسقاط نظام عبد الفتاح البرهان العسكري، إذ دعا ناشطون مؤيدون للديمقراطية إلى احتجاجات تحت عنوان “مليونية زلزال 30 يونيو”.
وقتل عشرة متظاهرين، الخميس، وفق آخر حصيلة نشرتها لجنة أطباء السودان المركزية، فيما طالبت الأمم المتحدة بتحقيق مستقل، وعبرت واشنطن عن حزنها وقلقها، وحثت الجميع على استئناف المفاوضات.
ومنذ عدة أسابيع تحاول الآلية الثلاثية والتي تضم “الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيقاد (IGAD)” إطلاق عملية سياسية بتشجيع الحوار بين عدة أطراف سودانية للتوصل إلى حل شامل لاستكمال المرحلة الانتقالية، والتي لم تفض إلى أي نتائج حتى الآن.
وارتفع عدد قتلى أعمال العنف المرتبطة بالاحتجاجات إلى 113، منذ أن استولى الجيش بقيادة البرهان على السلطة في أكتوبر الماضي.
والجمعة، دانت الآلية الثلاثية في بيان مشترك ما جرى من أعمال العنف و”الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن وانعدام المساءلة عن مثل هذه الأعمال، على الرغم من الالتزامات المتكررة من جانب السلطات”.
وبسبب القمع الدامي ولأنها ما عادت تريد شراكة بين العسكريين والمدنيين، ترفض التجمعات المدنية الرئيسية والأحزاب السودانية الرئيسية التفاوض مع الجيش، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
وحدد محللون سياسيون تحدثوا لموقع “الحرة” خارطة طريق لحل الأزمة في البلاد، مؤكدين أنه لا استكمال للمرحلة الانتقالية في السودان من دون تنحي العسكر عن السلطة وتسليمها للقوى المدنية.
“جمود سياسي”
الباحثة السودانية، مها طمبل, قالت إن جهود الآلية الثلاثية “فشلت لعدة أسباب، أهمها عدم تحديدها للإطار العام للمفاوضات أو سقف الأهداف التي تريد الوصول إليها، إضافة إلى اعتمادها على أصوات بعض النخب، ولم تستمع بالشكل الكافي لأصوات ومطالب لجان المقاومة، وحتى اللجان التي تم اللقاء معها كانت لجانا موازية أوجدها المجلس العسكري”.
وأوضحت في حديث لموقع “الحرة” أن “الأزمة في البلاد لا تتركز في وجود شخص البرهان على رأس مجلس السيادة، ولكنها تتركز في عدة أمور أبرزها إصرار قادة العسكر على إدارة الدولة سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ناهيك عن أدلجة المؤسسة العسكرية وجعلها على ارتباط بالحركة الإسلامية في البلاد، وتماهي الجيش مع فكرة وجود الميليشيات العسكرية والجنجويد والتي يتم دفعها للقيام بأدوار بالوكالة نيابة عن الجيش”.
وتلفت طمبل إلى أن “أزمة البلاد ليس سببها الجيش فقط، إنما هناك عدم توافق لدى القوى السياسية المدنية وضعف في قدرات قوى الحرية والتغيير”.
وردد المحتجون في العاصمة السودانية قرب القصر الرئاسي هتافات مثل “الشعب يريد إسقاط البرهان” و”نطالب بالانتقام”.
من جانبه، يرى الكاتب السوداني، سنهوري عيسى، أن السودان يعاني من حالة “جمود وانغلاق سياسي، إذ أن المفاوضات التي سعت إليها الآلية الثلاثية تعطلت قبل أن تبدأ”.
وأضاف في رد على استفسارات موقع “الحرة” أن الأزمة السياسية في السودان تتركز على “الإقصاء، وعدم وجود حوار شامل يضم الشعب السوداني، إذ تسعى جهود الآلية الثلاثية للحديث مع القوى المختلفة الموجودة، ولكنها تتناسى صوت الأغلبية الصامتة في الشارع السوداني الذين لا يوجد تمثيل حقيقي لصوتهم”.
مسؤول العلاقات الخارجية بحزب المؤتمر السوداني، فؤاد عثمان، قال لموقع “الحرة” إن الآلية الثلاثية “بطريقتها أفرغت الحل السياسي المطلوب من مضمونه، وحولت المسار لصالح شرعنة الانقلاب العسكري، بحشد مؤيديين مدنيين مرتبطين بالنظام السابق، وأصبحوا حاليا يشكلون حاضنة لانقلاب 25 أكتوبر”.
وزاد أن “قوى الحرية والتغيير أوضحت للآلية الثلاثية رؤيتها وسلمتها لها، ولكن لم يتم الأخذ بها، ولتقوم الآلية بعد ذلك بتأجيل الحوار لأجل غير مسمى”.
ويؤكد عثمان أن “أزمة البلاد تتركز في وجود المجلس العسكري الانقلابي بقيادة البرهان”.
وطالبت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ميشيل باشليه، الجمعة، بـ”تحقيق مستقل”، معتبرة أن “من حق الضحايا والناجين وعائلاتهم معرفة الحقيقة وإحقاق العدالة والحصول على تعويض”.
سبل حل الأزمة
وأوقف المجتمع الدولي مساعداته المالية التي تمثل 40 في المئة من ميزانية السودان، لكن هذه العقوبات لم تثن الجيش بل زادت الأزمة الاقتصادية مع انهيار الجنيه السوداني وتجاوز التضخم 200 في المئة بوتيرة شهرية.
وتؤكد الباحثة طمبل أن أي حل للأزمة السياسية في السودان “لن يتم من دون محاسبة قوات الجيش على الانتهاكات التي تعرض لها المدنيين خلال الفترة الماضية”.
وأضافت أن نجاح الآلية الثلاثية في مساعيها “يحتاج إلى ضمان دولي يتدخل بشكل قوي وفعال، مثل واشنطن بدعم تنفيذ بنود الوثيقة الدستورية التي انقلب عليها البرهان، إضافة للاستماع إلى للقوى الشعبية الحقيقة”.
ويؤكد عيسى أن الحل الوحيد لأزمة السودان يحتاج إلى “حوار سوداني – سوداني، وإعادة النظر في دور الجيش خلال المرحلة الانتقالية، والبحث عن نقاط التلاقي والحد من حالة التأزم بين القوى السياسية المختلفة”.
ودعا الآلية الثلاثية إلى “إشراك شخصيات وطنية سودانية بشكل أكبر في الحوار من أجل التوصل لنقاط تفاهم بين الجميع، مشيرا إلى أن القوى الدولية عليها أن تدفع الجميع بشكل أكبر نحو الحوار، وعدم أخذ صف أي أطراف سياسية ودعم مطالب الشارع”.
المحلل السياسي السوداني المقيم في الولايات المتحدة، أيمن تابر، يرى أن “جهود الآلية الثلاثية لم تحقق أهدافها، ولا مخرج للبلاد من الأزمة السياسية إلا بانهاء حالة الانقلاب، ووقف الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب من قبل السلطات العسكرية، التي وصلت إلى حد قتل المتظاهرين”.
ويبين في حديث لموقع “الحرة” أن دعم مطالب الشارع “بتسليم السلطة لحكومة مدنية تسير المرحلة الانتقالية، وحل الميليشيات العسكرية المختلفة وجعلها تحت مظلة عسكرية واحدة والاضطلاع بدور حماية الدستور والبلاد فقط، وليس إدارة البلاد”.
ويشرح تابر “أن الآلية الثلاثية تجاهلت صوت الشارع السوداني، ولجان المقاومة الحقيقية التي تخرج بشكل دائم للتأكيد على مطالبهم المستمرة”.
السودان/ احتجاجات
أعربت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، في الأمم المتحدة، الجمعة، ميشيل باشليه، عن قلقها حيال مقتل تسعة متظاهرين على الأقل، بينهم طفل، بأيدي قوات الأمن في السودان، مطالبة ب”تحقيق مستقل”.
ويتفق عثمان مع هذا الرأي ويقول إن حل أزمة البلاد يحتاج “إنهاء الانقلاب العسكري والتأسيس للتحول المدني الديمقراطي، من خلال أدوات سلمية، وكسب الدعم والتضامن الإقليمي والدولي لصف القوي المدنية المناهضة للانقلاب وعزله”.
ويشير إلى أن ما تحتاجه البلاد ببساطة “تسليم السلطة لقوى مدنية خالصة”.
وحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في يونيو الجاري من أن ثلث سكان السودان “يعانون انعداما حادا في الأمن الغذائي”.
وتقدر الأمم المتحدة أن 18 مليونا من إجمالي 45 مليون سوداني سيعانون بنهاية السنة انعدام الأمن الغذائي، أكثرهم معاناة 3.3 ملايين نازح معظمهم في دارفور، في غرب البلاد.