أكد الكاتب الصحفي الإيطالي ليوناردو بيلودي، أن ليبيا صارت مرتعا لعمليات التهريب إلى أوروبا بعد السيطرة عليها لمدة 42 عاما خلال حكم القذافي، مشيرا إلى أن الهجرة والإرهاب هما التحديان اللذان يواجهان إيطاليا والولايات المتحدة كحلفاء في القضية الليبية المشتركة.
وتساءل بيلودي، في مقالة له نشرتها صحيفة فورميك “formiche” الإيطالية، “هل نحن متأكدون حقًا من أن ماريو دراجي، رئيس الحكومة الإيطالية، كان مخطئا؟ وهذا ما يعتقده كثيرون حينما قال في مؤتمر صحفي أن الرئيس التركي أردوغان ديكتاتور”.
وقال الصحفي الإيطالي: “ربما كانت إجابة متسرعة على سؤال غير متوقع، وربما كان هناك حديث عن أي شيء آخر في ذلك الوقت، ولكن بعد بضعة أيام كان جو بايدن، الرئيس الأمريكي، هو الذي تحدى رجب طيب أردوغان من خلال وصف إبادة الأرمن بالإبادة الجماعية، وهي بادرة لم يقم بها أي رئيس أمريكي”.
ورجح بيلودي، أن ما حدث ربما كان مجرد صدفة، على افتراض أن كليهما منغمس في عالم العلاقات الدولية، موضحًا أن هذا الاصطفاف عبر الأطلسي يمكن أن يكون مفيدًا جدًا في السير على طريق السلام في ليبيا.
وأضاف: “صدفة أخرى مهمة، ففي 6 أبريل الماضي، في أول زيارة دولية له كرئيس للوزراء، اختار دراجي ليبيا والتقى برئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، ليؤكد بذلك من جديد اهتمام إيطاليا بليبيا”.
وتابع الصحفي الإيطالي في مقالته: “في اليوم نفسه، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرًا عن وضع حقوق الإنسان في عام 2020م، وخلال عرض التقرير، رفع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يده وقال إن الولايات المتحدة ستستخدم جميع التدابير المتاحة للدفاع عن حقوق الإنسان في المنطقة”.
وأشار إلى أنه بعد بضعة أيام لم يتردد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في القول بأنه يجري دراسة الإجراءات لتشديد تدابير المساءلة ضد أي طرف يسعى إلى تقويض خارطة الطريق التي تُفضي إلى الانتخابات التي حددها الليبيون في 24 ديسمبر2021م.
ليبيا ممزقة
وواصل بيلودي: “ليس من قبيل المصادفة أن يشير سوليفان إلى أن الشعب الليبي رسم الطريق إلى الانتخابات، ففي السنوات الأخيرة كان هناك الكثير من التدخلات الأجنبية في ليبيا من تركيا وروسيا وقطر ومصر وغيرها”.
واستكمل الصحفي الإيطالي: “هذا الوضع دفع مسؤولاً أمريكيًا إلى تعريف ليبيا بأنها اقتصاد مُحطم، دولة مُحطمة، بلد ممزق في أيدي كيانات حكومية مختلفة تقاتل بعضها البعض، وتدعمها بدورها المليشيات والجماعات شبه العسكرية، وتتغذى عليها القوى الأجنبية المتنافسة”.
وأوضح بيلودي، أن إدارة بايدن لفتت إلى أن سياستها الخارجية موجهة نحو الشرق تجاه آسيا، مستدركًا: “لكن من الواضح أنها لا تستطيع إلا التعامل مع ما يحدث في البحر الأبيض المتوسط، ومن الضروري أن إيطاليا تعرف جيدًا أن عدم الاستقرار في ليبيا يشكل خطرًا على المجتمع الدولي بأسره”.
ولفت الصحفي الإيطالي إلى أن ليبيا بلد يقطنه 6 ملايين نسمة، ويجري فيه تداول أكثر من 20 مليون قطعة سلاح وليس جميعها خفيفة، مبيّنًا أن أكثر حالات الطوارئ وضوحًا هي تأثير الأزمات المتعددة التي تهز البلاد، وليس سببها الإرهاب الذي يتم فرضه على خطر الجريمة العادية ولا يمكن تمييزه في بعض الأحيان عنها.
واستطرد: “منذ العصر الروماني، كانت ليبيا منطقة عبور حاسمة للسلع والأشخاص على الطريق من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى أوروبا، وخلال 42 عاما من حكم القذافي، كان نظامه يسيطر عسكريا على أخطر عمليات التهريب، ونظم التدفقات وفقًا للظروف السياسية والاقتصادية، لكن في الوقت الراهن هناك سلاح وابتزاز هائل ضد أوروبا، وإيطاليا في المقام الأول”.
ورأى بيلودي، أنه باغتيال القذافي انكسر التوازن، مضيفًا: “أصبحت ليبيا وقبل كل شيء فزان، جنوب البلاد الذي لا حدود له ولا يمكن السيطرة عليه، مفترق طرق دولي للاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات”.
ونوه الصحفي الإيطالي إلى أن هذا الأمر يجذب الجهات الإجرامية حتى من بعيد، ضارباً مثالا بأن عصابات المخدرات الكولومبية ترسل كميات كبيرة من الكوكايين إلى غينيا وغينيا – بيساو، ومن هناك تصل إلى أوروبا عن طريق الجزائر، وتونس وقبل كل شيء ليبيا، وهي تجارة تبلغ قيمتها حوالي 1.8 مليار دولار سنويا.
الاتجار بالبشر
وتابع: “العناصر الموجودة مع المهربين الليبيين تعمل على إطعام الجماعات الإرهابية التي تجد ملاذًا في مثلث فزان وتشاد والنيجر، فضلاً عن شراء الأسلحة”.
واستكمل بيلودي: “الحالة حرجة بنفس القدر فيما يتعلق بالاتجار بالبشر، حتى عام 2010م كانت بعض الاتفاقات المبرمة بين القذافي والحكومة الإيطالية تتصدى لهذه الظاهرة زمن حكم القذافي، وإن كان ذلك على مراحل متناوبة، ومنذ عام 2014م فجرت الحرب الأهلية في سوريا ظاهرة الهجرة من خلال ما يسمى طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، أي من ليبيا وبدرجة أقل من تونس، وتشير التقديرات إلى أن حوالي 70٪ من المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يصلون كل عام إلى أوروبا اتبعوا هذا المسار”.
واسترسل الصحفي الإيطالي في مقالته: “وقبل كل شيء، هناك الإرهاب لا يزال يجد بيئة مرحبة في ليبيا، على الرغم من الهزيمة التي لحقت به في سرت في نهاية عام 2016م، فلا تزال الجهادية موجودة في فزان حيث تحميها المناطق الجبلية التي يصعب الوصول إليها، وأقامت خلايا القاعدة معسكرات تدريب وقواعد لوجستية، يمكن من خلالها شن غارات عبر الحدود، من الجزائر إلى مالي، وهو أمر أكثر خطورة بسبب وجود القوات الفرنسية”.
وشدد بيلودي، على أن الهجرة والإرهاب هما التحديان اللذان يواجهان إيطاليا والولايات المتحدة كحلفاء في القضية الليبية المشتركة، لافتاً إلى أنه يوجد الكثير الذي يمكن أن يقومان به معاً.
واستفاض الصحفي الإيطالي: “يمكن للولايات المتحدة استخدام كل مصداقيتها الدولية لإقناع الجهات الفاعلة الأجنبية في ليبيا بوقف الحروب بالوكالة التي تمزق البلاد، ويمكنهم الاستمرار في استخدام الأدوات العسكرية لمكافحة الإرهاب”.
وأكد على أنه يمكن لإيطاليا أن تعمل على ثلاث جبهات الأولى هي التوصل إلى توافق أوروبي في الآراء حول مسار العمل الذي سيتم اعتماده في ليبيا بفضل السلطة التي يتمتع بها ماريو دراجي في أوروبا، موضحاً أن الجبهة الثانية هي الدور الاقتصادي حيث إن دور إيطاليا أساسي لضمان الإيرادات التي تحتاجها الحكومة لدعم احتياجات المجتمع المدني.
واختتم بيلودي، قائلا إن الجبهة الثالثة هي استخدام الاستخبارات الإيطالية، مكملاً: “التي بفضل وجودها على الأرض يمكن فهم بشكل أفضل احتياجات أي إقليم من أي بلد آخر، وبالتالي تزويد السلطة التنفيذية بإطار معلومات أساسي لتوجيه عملها”.