كان الخناق يومئذ يضيق يوما بعد يوم علي عنق (الانقاذ) .. وان طوابير الوقود والخبز المتطاولة قد ملأت شاشات الجزيرة والعربية .. بحيث بدا أن القوم من وراء البحار قد اوحوا الي (شغيلتهم) الصغار في الاقليم بأن حكومة الاسلاميين في السودان يجب أن ترحل !!
وكان الرئيس البشير يأتي من الدوحة ليذهب إلى الرياض ثم لم يلبث أن يعود ليغادر الي ابوظبي !!
فنهضت يومها مباشرة لأكتب مقالا باهظ الكلفة تحت عنوان (لم يعد الصمت ممكنا) !! موجها خطابي لفخامة الرئيس ، قائلا : ( سيدي الرئيس لو ان زياراتك هذه كانت لبيارات مشروع الزيداب والعالياب وبقية المشاريع الزراعية ) (كانت البلد مرقت) !!
ذلك المقال الذي أدخل الناشر الاخ الدكتور مزمل ابوالقاسم في خسائر فادحة بمصادرة صحيفته (اليوم التالي) وتلك قصة أخري ، سأتعرض لها في حينها ..
فما اشبه الليلة بالبارحة .. دارت الايام دورتها ولازلنا ندور في فلك هذه (العواصم المحاور) !! والمعضلة تكمن في أنك لا تستطيع أن تجمع بين الاختين .. فاذا كسبت ابوظبي خسرت الدوحة والعكس هو الصحيح !! علي أن هؤلاء الأخوة عبر التاريخ وتعاقب انظمة الحكم يعلمون علم اليقين بأن ازمات السودان الجوهرية يمكن اختراقها عبر صناعة مشروعات تنمية جادة علي سبيل المشاركة الزراعية بين البلدين ، وليس عن طريقة الهبات و (الوجبات الجاهزة) ولكنهم لايفعلون !!
علما ان مجموع قيمة (لعب الاطفال) التي تستوردها دول الخليج مجتمعة، لا تخرج السودان من وهدأته فحسب، بل يمكن أن تصنع مشروع الأمن الغذائي العربي برمته، ولكنهم لايفعلون ولايتركوننا أن نستقر فنفعل !!
فما تقوم به “علي سبيل مثال الزعزعة ” قناة الجزيرة القطرية عبر برمجتها المباشرة المركزة علي السودان، لم يكن سوي صب الزيت على النار !! فقد ساهمت قنوات الجزيرة القطرية والعربية السعودية في عمليات تباعد الشقة بين الفرقاء السودانيين، وكان المأمول ان يحدث العكس من الاشقاء ولكنهم لا يرغبون !! فمايقوم به ضابط الاستخبارات السفير السعودي الي جانب سفراء الترويكا هو بالكاد ضد ارادة الامة السودانية وضد مصالحها الاستراتيجية الوطنية !! وماتقوم به ابوظبي هو ادهي وامر .. وهي التي (قادتنا) الي اسرائيل، وهي ذاتها التي تسعي لاستئصال الاسلاميين من كل المنصات العربية !!
وللذين يقرأون بتطرف واجندة مسبقة، نحن لانطلب من اخواننا الخليجيين هبات و(وجبات جاهزة) ودعومات قصيرة الاجل، وانما ندعوهم لاقامة شراكات استثمارية استراتيجية طويلة الامد الكتف بالكتف والحافر بالحافر / علي أن نوفر نحن الأرض والماء والرجال ويقابلوننا هم بالنفط والتقنية والمال، علما بأن مواردنا البكر الهائلة تؤهلنا الي ان نكون أصحاب اليد العليا في هذه المعادلة الاقتصادية ، هم يعرفون ذلك جيدا ولكنهم لايقدمون علي فعله !!
اذن “والواقع المرير هذا” فليس اقل من أن يتركوننا وشأننا وقد بلغت تدخلاتهم درجة الوصايا والاملاء !!
ولهذا علي النخب الفكرية والسياسية السودانية المختلفة أن تدرك بأن (دول الخليج) لايمكن أن تتجاوز خطوط (واشطن الحمراء) في دعم الامن والاقتصاد والاستقرار في السودان/ولا اي دولة في المنطقة يمكن أن تجرؤ على ذلك/وقد قالها الرئيس حسني مبارك ذات دعوة استثمارية سودانية/قال بكل وضوح (امريكا مابتسمحش بذلك) !!
الرأي عندي و “الحال هذه” أن تتجاوز النخب السودانية (وهم الخليج) هذا الي واقعية دول مثل تركيا والصين وماليزيا وروسيا، وهي لعمري دول يومئذ ذات استقلالية ومصداقية/وذلك لبناء علاقات استثمارية تجارية استراتيجية ..
مخرج .. أما اخواننا العربان هؤلاء فتصلح فيهم وتصدق مربوعة شاعرنا عكير الدامر
ود بيت المحل ماتكوس معاه موده
ماتنغش بي رزقو عمرو الحجر ما انكده
كل يوم العرق لي اصلو ياخد مده
مو قضاي غرض ود الايدو خاتيه المده