بسبب الموقع الاستراتيجي للسودان، وبسبب ما يمتلكه هذا البلد من موارد وثروات طبيعية هائلة، وواعدة فإنه ظل هدفًا، ومطمعًا للدول الكبرى التي تتكالب عليه من خلال وضع قدم لها بالسودان، ونهجها لأساليب مشروعة وغير مشروعة للتدخل في شئونه، والطمع في ثرواته، ناهيك عن صراع الدول الكبرى فيما بينها من أجل الهيمنة على البلدان الإفريقية وغيرها من بلدان العالم، وبخاصة هذا الصراع المحموم الذي يشهده العالم بين أمريكا، والصين وما يشهده الآن من صراع للتواجد نفوذ أمريكا على السودان، ، وأيضًا بسبب يشهده العالم الآن من تجاذبات بين الولايات المتحدة، طرفي الخيط في إفريقيا ما يرهص برسم ملامح حرب باردة جديدة في القارة الإفريقية،
ومن تلك الخطوات التي بدأت أمريكا بالفعل في اتخاذها للحفاظ على تواجدها ومصالحها وتحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة بالسودان أن أعلنت السفارة الأمريكية في الخرطوم يوم الخميس الماضي الموافق 25 من شهر أغسطس الجاري عن تعيين جون جودفرى سفيرًا لأمريكا ليكون أول سفير لبلاده بالسودان منذ 25 عامًا، وكانت السفارة الأمريكية قد ذكرت في بيانها أن جودفري سيعمل وبصفته ممثلاً بارزًا للحكومة الأمريكية على تعزيز العلاقات بين الشعبين الأمريكي والسوداني، والعمل أيضًا على دعم تطلع البلدين إلى الحرية والسلام والعدالة والانتقال الديمقراطي، والنهوض بالأولويات المتعلقة بالسلام والأمن والتنمية الاقتصادية، والأمن الغذائي بالسودان، وهي الأهداف التي تروج لها أمريكا، وكانت أمريكا قد سبق أن اتهمت نظام عمر البشير بارتباطه بتنظيم القاعدة الذي أقام مؤسسه أسامة بن لادن في السودان في الفترة من 1992 إلى 1996 ما دفعها إلى تقليص تمثيلها الدبلوماسي بالخرطوم منذ العام 1997 إلى القائم بالأعمال وفرضت عقوبات اقتصادية أحادية ظلمًا وعدوانًا على السودان إثر اتهامه بدعم الإرهاب ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية بالخرطوم وذلك بعد أن قامت أمريكا بوضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ عام 1993 لتقوم برفعه عنه في ديسمبر عام 2020، ثم الإعلان عن رفع التمثيل الدبلوماسي بين أمريكا والسودان إلى مستوى السفير، وذلك بعد العام 2019 الذي شهد ثورة شعبية أطاحت بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، لتعلن أمريكا في حينه بأنها سترفع تمثيلها الدبلوماسي مع السودان، ومن ذلك أن قررت بدء عملية تبادل السفراء مع السودان بعد فراغ امتد لـ23 عامًا، وبخاصة بعد الزيارة التي قام رئيس الوزراء السوداني آنذاك عبد الله حمدوك إلى واشنطن من أجل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقد جاء اختيار جون جودفري سفيرا لأمريكا بالسودان بسبب مهنيته وكفاءته وخبرته السياسية والدبلوماسية في الدول الآسيوية والعربية، وعمله مؤخرًا كمنسق لمكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف العنيف الذي ينسق جهود الحكومة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، ويقال بأن جودفري كان له دور في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب من أجل الحفاظ على التواجد الأمريكي في السودان.. فهل سيتمكن جودفري وبما يملكه من مقومات من تحقيق الأهداف التي تسعى أمريكا إلى تحقيقها بالسودان ومنها تحجيم النفوذ الروسي والصيني وبإمكانية وقوع حرب كبرى مدمرة ولو على حساب أمن وسلامة السودان على غرار السيناريو الأوكراني، فوفقًا لآراء المراقبين والمحللين الدوليين فإن الاحترام والتقدير الذي تحظى به موسكو في القارة منذ الحقبة السوفيتية وعلاقتها بدول الشرق الأوسط وقارة إفريقيا تضع الروس في موقع كبير ومتقدم خطوة على الأمريكيين في إفريقيا، إلا أنه وفي ظل هذا التوصيف الحالي لوضع التنافس بين روسيا وأمريكا على إفريقيا فإن المستقبل يشير لإمكانية نشوب حرب باردة جديدة بين القوتين العظميين في إفريقيا يمكن أن يحسمها الأكثر اهتمامًا وقربًا واهتمامًا صادقًا بقضايا القارة السمراء.