أخبار ساخنةأهم الأخبارمقالات الرأي

ما أحوج السودان لبروفيسور la casa !!!

الكاتب : عماد الدين ميرغني

إجراءات حظر التجول التي فُرِضت قُبيل أسابيع بشكل جزء؛ ووصلت إلى مرحلة الحظر الكامل، جعلت الجميع في ممارسة بعض الأمور الجديدة، مثل مشاهدة أشهر المسلسلات التي ذاعت صيتها عبر الشبكة العنكبوتية.

أشهر هذه المسلسلات؛ هو المسلسل الأسباني la casa de papel والذي عُرِض جزءه الرابع خلال الفترة القليلة الماضية، وعاد ليكون حديث الجميع في آخر مجريات قصته،

 وهو يحكي عن عصابة بلغت درجة عالية من الإحترافية أدخلت الشرطة الأسبانية وجهاز الإستخبارات في سيناريو معقد، في سبيل سرقة مبلغ يصل إلى 2 مليار يورو من المطبعة الملكية.

البروفيسور

وأحد أبطال هذه القصة هو العقل المدبر والذي يدير هذه العصابة، والمُلقّب ب”البروفيسور”. والحقيقة أن هذه الشخصية تحديداً على درجة عالية جداً من الذكاء والعبقرية، أهّلته لرسم الكثير من السيناريوهات والإحتمالات وتدريب وتوجيه أفراد عصابته على التعامل معاها.

سيناريوهات أقل ما يمكن وصفها بأنها بمثابة إعصار قوي جداً على الذهن للتعامل معها بكل عقلانية للخروج بالمكاسب المهمة،

 وهي في حقيقتها جاذبة للغاية، تجعل المشاهد على درجة عالية من التفاعل مع أحداث هذا المسلسل، الأمر الذي جعلها في مقدمة المسلسلات التي تم إنتاجها مؤخراً من حيث أرقام المشاهدة، وحديث الساعة لعشاق مثل هذه المسلسلات المثيرة في أحداثها.

والحقيقة تقول أن الكثير من المشاهدين لهذا المسلسل ينصحون أصدقاءهم بمتابعته نظراً لإثارته من حيث سلسلة الأحداث والألغاز والمعضلات التي تواجه جميع أطراف هذه القصة، فكم يبدو الأمر ممتعاً لمتابعيه الحديث عنه وعن مجرياته.

هذه السطور أعلاه التي ربما أسهبت قليلاً في الحديث عن المسلسل رُبما تبدو مثل “دعاية مجانية” له وللنصح لمشاهدته، أو قد يكون مثل أي حديث لمتابع له بشغف، لكن الأمر في حقيقته مغاير تماماً.

بين لاكاسا والسودان بروفيسور

فمهما تعقدت سيناريوهات هذا المسلسل بين العصابة المحترفة والشرطة والإستخبارات، فإنها لن تكون أكثر تعقيداً من سيناريو “السودان” الحالي في فترته الإنتقالية. فمجريات الأحداث الحالية باتت على درجة عالية من التعقيد.

مفاوضات السلام ما زالت متعثرة بين كل الأطراف المتفاوضة؛ الحركات المسلحة وممثلي الحكومة الإنتقالية،

 نظراً لوجود عدد من المطالب التي لم يتم حسمها بعد ضمن الإتفاقيات بين كل الأطراف للوصول إلى السلام الشامل واستكمال الفترة الإنتقالية بكل مكونات السوداني الإجتماعية بما فيها المناطق المتضررة من الحروب.

وعلى جانبٍ آخر؛ وبحسب ما تم تداوله من أخبار خلال الأيام القليلة الماضية، فإن الحكومة الإنتقالية في الوقت الحالي تمر بمجريات عصيبة؛

 في وجود خلافات داخلية سببها الأزمات المتفاقمة سواء على المستوى المعيشي أو على مستوى الشارع السوداني الذي يشهد خروج مجموعة إحتجاجات إتضحت فيما بعد أنها تتبع لفلول النظام البائد وبعض من فئة الشباب الذين قرروا الإنضمام.

تحالف الحرية والتغيير نفسه؛ كثر الحديث عن خلافاته الداخلية وإخفاقاته في إدارة المشهد السياسي الراهن نظراً لتعارض المصالح،

الأمر الذي منح الفرصة لمنسوبي النظام البائد للتحرك في الشارع للترويج لفشل قوى الحرية والتغيير في إدارة المشهد السياسي،

 إضافةً للترويج لفشل الحكومة الإنتقالية في حل الأزمات؛ رغم مجهودات الحكومة التي تقوم بها في الوقت الحالي في حل مشاكل هذه الدولة.

تعيين الولاة المدنيين وتكوين المجلس التشريعي؛ قضية أخرى تضع الحكومة الإنتقالية في مأزق، بين تشكيله بتكليف الأفراد إلى حين إكمال ملف السلام، أو الإننتظار إلى حين إكمال الملف.

وفي ظل كل هذه الأزمات؛ فإن المواطن السوداني ما زال يعاني من شح في السلع الأساسية؛ بالإضافة إلى زيادة الأسعار وعدم إستقرار سعر العملة المحلية مقابل العملة الصعبة.

ومع كل هذه المشاكل، فإن جائحة الكورونا تظل هي المتسيدة المشهد في كل العالم بما فيه السودان والتي ما زالت تضع السيد وزير الصحة؛ الدكتور أكرم علي التوم.

الحديث عن انقلاب

وفي ظل هذه الأوضاع؛ فإن الترويج لاحتمال حدوث إنقلاب عسكري تزايدت وتيرته مع زيادة زخم حراكات فلول النظام البائد، خصوصاً تلك الأخبار التي تحدثت عن اقتراب صلاح قوش مدير جهاز الأمن السابق؛

من العودة للمشهد بانقلاب عسكري يعيده إلى السلطة من جديد، رغم أن هذا الإحتمال تحديداً تواجهه تحديات أصعب بكثير من التحديات التي تواجه الحكومة الإنتقالية الحالية، أولها رفض كتلة عريضة جداً من الشعب السوداني،

وآخرها المصالح الدولية والإقليمية التي تهمها إستقرار السودان، وبالأخص دول القرن الأفريقي التي تسير نحو النمو.

هذه التعقيدات تتسبب في عصف ذهني عند النظر لها والتفكير في حلول حقيقية لها في سبيل حل كل هذه الأزمات، وهي في حقيقتها تحتاج إلى ذلك العبقري القادر على رسم تلك السيناريوهات التي من شأنها أن تتقدم بالسودان نحو الأمان.

الخلاصة

والحقيقة تقول أن هذه العبقري لابد أن يكون بمواصفات البروفيسور المخطط في مسلسل la casa de papel القادر على رسم تلك السيناريوهات التي من شأنها أن تأتي بالسلام؛ وبالحلول الحقيقية لمعالجة الأزمة الإقتصادية،

 وتعود على البلاد بالإستقرار على المستوى السياسي بتماسك تحالف الحرية والتغيير والسير في خط المصالح العامة وتقديمها على المصالح الذاتية،

وتهدئة الجيش السواني ومؤسسات القوات النظامية للعمل لمصلحة الثورة ومطالبها والتراجع عن فكرة الإنقلاب العسكري، ومع كل ذلك هزيمة وباء الكورونا بالسيطرة عليه بشكل كامل لإعادة تدوير عجلة الدولة.

والمغزى من هذا الأمر تحديداً ليس وجود شخص يرسم هذه السيناريوهات، ولكن في وجود منظومات وكيانات تتفاعل بشكل أكبر لرسم هذه الخطط والحلول التي تسوق البلاد للإستقرار واستكمال الفترة الإنتقالية بسلام، وتطبيقها على أرض الواقع.

والمعضلة تكمن في أن هذه الظروف تتطلب أن يكون الجميع فاعلاً بجانب الدولة لعبور هذه الأزمات، فالطريق واحد، وليس هنالك طريق آخر يحقق مطالب ثورة ديسمبر المجيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons