بعد انتصار الشعب السوداني وإزاحته نظام البشير في أبريل 2019 بدأ مسار البحث عن قيادة للدولة في زحام قيادات الثورة، وبعد انتظار باهظ التكاليف أريقت فيه دماء أكثر مما سالت خلال أربعة أشهر من التظاهرات شبه اليومية قبل سقوط نظام البشير، أجمع تحالف ”قوى إعلان الحرية والتغيير“ الذي قاد الحراك الجماهيري على اختيار الدكتور عبد الله حمدوك ليتولى منصب رئيس الوزراء في أصعب مرحلة، وليكون ”أيقونة“ الثورة والحكم المدني.
والآن والثورة تخطو نحو عامها الرابع مثقلة بأوزار الفشل التنفيذي والسياسي الذي يتحمل كِبره من تحمل مسؤولية القيادة ورضي أن يُنَصّب في مقام ”أيقونة“ الثورة، يجدر السؤال، مَنْ أيقن ”الأيقونة“؟
لم يكن في سيرة الدكتور عبد الله حمدوك في العمل العام والخاطر الجماهيري سوى سطر واحد، أنه الشخص الذي (رفض)! منصب وزير المالية في حكومة العهد البائد قبل سقوطها بعام واحد تقريبا. رغم عدم توفر بيّنة موثقة مكتوبة تدل على أنه ”رفض“ المنصب فعلا، فكل الذي يذكره الناس أن النظام السابق أذاع اسمه في تشكيلة الحكومة لمنصب وزير المالية، ولم يصدر أي بيان من الدكتور عبدالله حمدوك المقيم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا آنذاك أي تكذيب أو رفض أو حتى توضيح لموقفه، كل الذي سجله التاريخ أن ضجة كبيرة ثارت في وسائط التواصل تنصحه بعدم قبول المنصب في نظام حكم تغرق سفينته، وعند موعد أداء القسم لم يحضر وظل المنصب شاغرا لكن دون رفض مكتوب.
بعدها بأشهر قليلة اندلعت الثورة الشعبية وسارت في هضاب وسهول العَنت والمواجهة لأربعة أشهر كاملة لم يُرصد خلالها أي نشاط سياسي معارض للنظام من جانب الدكتور عبد الله حمدوك ولو في موقع إلكتروني أو حوار صحفي، إطلاقا.
وعندما انتصرت الثورة وحتى لحظة ”أيقَنتِه“ بجعله المرشح الأوحد لمنصب رئيس الوزراء، لم يسمع أحد أو يقرأ لحمدوك ولا كلمة واحدة، ولا مجرد تهنئة بانتصار الثورة.
وفي لحظة اختيار من يشغل منصب رئيس الوزراء لم تكن هناك قائمة لا طويلة ولا قصيرة Short list لمرشحين آخرين، كل المطروح في الترشيحات هو اسم ”حمدوك“، واحد من واحد.
أكد لي شخصيًّا الدكتور عبدالله حمدوك أنه لما زاره في أديس أبابا وفد تحالف قوى الحرية والتغيير لإبلاغه بفوزه (على نفسه) بمنصب رئيس الوزراء أنه اعترض بإصرار، لإدراكه أن المنصب في هذا التوقيت من عمر السودان لا يناسبه، ومكث الوفد أسبوعا كاملا في أديس أبابا لإقناعه، وللدقة لإرغامه، بقبول المنصب فاضطر في نهاية المطاف أن يقبل، وفي النفس شيء من حتى.
واحتفى الشعب السوداني بحمدوك وهو يخطو من سلم الطائرة القادمة من أديس أبابا في مطار الخرطوم، رغم أنه حتى تلك اللحظة لم ينطق ولا بتغريدة واحدة في الوسائط، وقبل أن يباشر مهامه ويتسلم مكتبه سرى في الوسائط ”هاشتاق“ باسم (شكرا حمدوك). لتكون أول سابقة في العالم أن يشكر الشعب رجلا لم يبدأ عمله ولم ينطق بكلمة. الحال أشبه بمقاول يستلم أجر العقد كاملا ومعه خطاب شكر من المالك قبل أن ينقل معداته ليبدأ العمل في المشروع.
بعد نحو شهرين وفي أول جولة خارجية من ضمن محطاته زار المملكة العربية السعودية والتقى بالجالية السودانية بمقر السفارة السودانية بالرياض، فسألوه عن برنامجه وخطته لإدارة الدولة، رد عليهم بعفوية (الحرية والتغيير لم يسلموني برنامجا ولا خطة حتى اليوم)، وكانت تلك أول علامة تعجب ترتفع في ذهن الشارع السوداني بعد الثورة.
والآن والثورة تدخل عامها الرابع لا خطة ولا برنامج ولا يحزنون، فضلا عن إنجازات على الأرض!
ألا يحق السؤال؛ من أيقن ”الأيقونة“؟ ولماذا؟
عثمان ميرغني