ـ كان يوما غائما وقاتما ومعتما ذلك اليوم الذى ذهبت فيه المعارضة الحزبية لعقد جلسة استماع فى الكونغرس الأمريكي فى النصف الثانى من التسعينات لعرض قضيتها ضد الإنقاذ وكانت أركان تلكم القضية تقوم على ركن بائس وهو أن النظام القائم فى الخرطوم يمارس تجارة الرقيق ضد مواطنيه الجنوبيين !! …المدهش والمثير للسخرية يومها أن وفد المعارضة السودانية كان يضم رجلان من ذوى البشرة البيضاء والأوزان الثقيلة هما الدكتور عمر نورالدائم والأستاذ فاروق أبو عيسى رحمهما الله وغفر لهما وكان وفد السفارة السودانية كله من أصحاب البشرة السمراء …!!! كانت المعارضة يومها لاتعى أنها لاتخدش وجه الإنقاذ وجلدها بل كانت تثقب قلب الوطن وتدميه وتؤذيه وتجرح شرفه على رأس الأشهاد والخلائق .
. المدهش فى كل هذا ان الحزب الشيوعى لم يكن فى صفوفه قيادى واحد من جنوب السودان مذ مقتلة جوزيف قرنق فى السبعينات فسيطر ابناء الخرطوم 2 ووادى حلفا ونهر النيل على مفاصل الحزب ، فى حين لم يجد حزب الأمة بين صفوفه من يسند إليه رئاسة قطاع الجنوب سوى المرحوم عبدالرسول النور ، فى ذات الوقت الذى قدمت فيه الحركة الإسلامية من الجنوبيين عضوية تفوق عضوية المكتب السياسي لحزب البعث العربى الاشتراكى وتساوى أضعاف عضوية الحزب الناصرى وبقية العويش السياسى !! ، نعم فقد قدمت الحركة الإسلامية عبدالله دينق نيال ، وموسى المك كور ، وقدموا أبوبكر جابر لرئاسة اتحاد جامعة القاهرة الفرع والبروفسير الشيخ بيش والسلطان عبد الباقى أكول واحمد الرضى جابر ومبارك قسم الله وعلى تميم فرتاك وغيرهم وغيرهم …نعم هؤلاء هم الذين نهض القسيس مكرم ماكس يومها فى ردهات الكونغرس يتهم حكومتهم أنها أقامت سوق للرقيق فى منتصف مدينة الأبيض وانه اشترى بنفسه منهم مائة رأس !! وكان يومها عمر نورالدائم عن يمينه وفاروق ابوعيسى عن شماله …اما التى وقفت لترد هذه التهم عن البشير وحكومته هى المسيحية الجنوبية ( أقنس لوكودو) …فلك أن تتأمل عزيزى القارئ
ـ لقد صعد البشير للحكم وحكومة الأحزاب قد فقدت السيطرة السياسية على الجنوب وفقدت وحدتها الموضوعية كحكومة انتفاضة واصبحت الأحزاب الصغيرة عيونا وجواسيس للحركة الشعبية وجيشها فى الخرطوم ومساندة لخطه السياسى والإعلامي وعملوا جميعا على إهمال الجيش وتفكيكه فبدأ الرجل العمل فى محورين يكمل كل واحد منهما الآخر ..فعمل على تقوية الجيش واعادة بناء الثقة بين صفوفه واستعاد سريعا ميزان القوى على الأرض واستنهض الهمم الشعبية لحماية الأرض …ثم بسط مؤتمر السلام لبلورة اطار حوارى وصولا لحلول سلمية لمعضلة الجنوب ( شفت كيف ) …نعم ..لم يغتصب الجيش الشعبي ارضا إلا ودخلها الجيش السودانى لتحريرها ولم يبسط المجتمع الدولى مائدة لحوار إلا وطار لها المفاوضون وتفرغت أحزاب السجم والرماد للدسائس وصناعة الشائعات وهى تتخفى فى جيوب قرنق الصغيرة والخلفية إلى أن جاء اليوم الذى وقع فيه قرنق اتفاق ( توازن الأقوياء ) فى نيفاشا . يومذاك ..يوم قرر الجنوبيون الإنفصال وصلت حالة الانفصام العقلى والأخلاقي مداها ..انظر إليهم وهم يرتدون الزى الأفريقى وهم يحتفون مع فاقان أموم بالاستقلال ثم وهم فى الخرطوم يذرفون الدموع السخان الكذوب على الإنفصال!!
ـ رغم البأس والحزم الذى ابدتهما حكومة البشير فى الجنوب فترة إبان الصراع والتمرد ولكنها تبقى الحكومة الوحيدة التى احترمت رغبات الجنوبيين فى تقرير المصير والإنفصال وهى التى سمحت باستقبال جماهيرى ضخم لقرنق فى وسط الخرطوم ومن بعد ذلك دخلت مع الجنوبيين فى شراكة حقيقية أعقبت نيفاشا تجول فيها قادة الجيش الشعبى آمين مطمئنين فى وسط العاصمة التى طالما سعوا لاسقاطها …
ـ بل حتى بعد أن انفصل الجنوب ووقع قادة الحكومة هناك فى اخطاء فادحة كاحتوائهم وايوائهم لقطاع الشمال وتشوين حركة الحلو وامدادها بالسلاح بل واسنادها بفرقة كاملة من فرق الجيش الشعبى وتمويلهم لعمليات حرق آبار البترول فى هجليج …رغم كل هذا …فقد رفض البشير استغلال اندلاع الحرب فى الجنوب لصالح تعيين حكومة موالية للخرطوم فى جوبا كما نصحته ثلاث أجهزة استخبارات قريبة وكان رده على الدوام …الإتفاق بيننا والجنوبيين اتفاق اخلاقى من جانبنا وسنظل نحترمه ونحافظ عليه
ـ بسط البشير الحكم الولائى والمحلى ودفع من مال البترول لتنمية الجنوب مالم يدخل لخزائن الجنوب حتى فى فترة الحكام الإنجليز فمتى كان البشير مجرما؟!!
حسن إسماعيل