إلى جانب الصدمة والشرخ الاجتماعي الذي خلفته الأحداث الدامية خلال الأيام الماضية، وعلى الرغم من انتشار الجيش، ما زالت ولاية النيل الأزرق جنوب شرقي السودان بالقرب من الحدود مع إثيوبيا، تعيش هدوءاً حذراً تتخلله عمليات ترصد ومطاردات من طرفي النزاع بصورة قد تنذر بتجدد الاشتباكات في أي لحظة، وذلك في أعقاب يومين من الانفلات الأمني والاقتتال القبلي بين قبائل “الفونج” وقبيلة “الهوسا” في عدد من مناطق ومدن الإقليم خلفت نحو ١٠٥ قتيلاً و192 جريحاََ خلال الأسبوعين الماضيين .
أوضاع مأساوية
وما زالت الأوضاع الأمنية في الإقليم، المتمتع بالحكم الذاتي تحت إدارة الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال برئاسة مالك عقار عضو مجلس السيادة الانتقالي وحاكم الإقليم الفريق أحمد العمدة ، هشّة، بعد اندلاع الاشتباكات على مدى أيام، إضافة إلى تدمير وحرق متاجر لمنسوبي قبيلة “الهوسا”.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع لفيديوهات وصور تعكس عمليات الطرد الجماعي لأفراد وجماعات من قبائل “الهوسا” وتظهر أعمال العنف التي لازمت تلك الأحداث على مرئ ومسمع الحاكم.
وأعلنت لجنة الأمن بالإقليم حالة الطوارئ ومنع التجوال والتجمعات غير الضرورية في المدن الرئيسة، حيث تركز الاقتتال القبلي في مناطق الروصيرص وقنيص وقيسان وبكوري وأمورا وأم درفا ووصل حتى العاصمة الدمازين.
في السياق، وصف أمير عيسى زايد، المدير التنفيذي لمحلية قيسان في الإقليم، مهد شرارة النزاع الأولى لـ”اندبندنت عربية”، الوضع بـ”المأساوي، حيث توقفت كل أشكال الحياة، والتوتر هو السمة الغالبة، فالكل متوجس وقلق على الرغم من انتشار القوات المسلحة وفرض سيطرتها على الأرض”.
وكشف زايد عن أن “بداية اشتعال فتيل الأحداث كان بمقتل أحد المنتسبين لقبائل الفونج (البرتا) في شرق محلية قيسان، لكن وقبل أن تتم التسوية أعلن عن مقتل اثنين آخرين منهم بمنطقة أندرفا بسلاح ناري، وكان الحادث الثاني بمثابة الشرارة الفعلية للأحداث، إذ جاء رد الفعل عنيفاً وسريعاً من طرف قبائل الفونج في منطقة قنيص ثم انتقلت الاشتباكات إلى قيسان، وتم حرق عدة محال تجارية تخص قبائل الهوسا”. وأسفرت اشتباكات قيسان وحدها عن سقوط 18 قتيلاً وعدد كبير من الجرحى، ثم انتقل النزاع إلى مدينة الروصيرص، ثم أخيراً العاصمة الدمازين.
وأشار إلى أنه بعدما بسط الجيش سيطرته تم إرسال عدد من أفراد قبيلة “الهوسا” إلى المنطقة العسكرية لتوفير الحماية لهم إلى حين تهدئة الأوضاع وتسويتها، لكنه لم يستبعد عودة الأوضاع للانفجار في أي لحظة، نظراً إلى درجة الاحتقان الكبيرة بين الطرفين، بخاصة بعد أن ظهر امتلاك “الهوسا” لعتاد وأسلحة كبيرة.. وطمع الحاكم في موارد المنطقة مع بعض الغربيين.
شرارة البداية
على الصعيد نفسه، روى الشاهد المنصور محمد التوم، من الدمازين، بعض تفاصيل البدايات الأولى التي تسببت انفجار الأحداث الدامية، أن الشرارة كانت بنشوب خلاف حول أرض زراعية أقدم فيها رجل من قبيلة “الهوسا” على قتل آخر من قبائل “الفونج”، تلته حادثة أخرى وانتقلت بعد ذلك الأحداث إلى محلية الروصيرص.
ويستطرد التوم، “عقب حادث القتل الأخير هاجمت مجموعات قبائل الفونج (مجتمعة) قبيلة الهوسا في منطقة قنيص كرد على مقتل أفراد منهم، ما اضطر قبائل الهوسا إلى اللجوء إلى معسكرات الجيش والقوات المشتركة طلباً للحماية والأمن.. السؤال أين قوات الحاكم هي شاركت مع المتفلتين ام مع القوات المشتركة التي عملت على حماية الهوسا وتهدئه الأوضاع.
المسكوت عنه
وفي السياق، أرجع المحلل الأمني اللواء أمين إسماعيل مجذوب، انفجار الصراع الدامي في النيل الأزرق إلى بروز ما كان مسكوتاً عنه لوقت طويل في السابق، حول وجود قبائل أصيلة وأخرى وافدة جاءت مع الزراعة والمشاريع لتتشارك الموارد مع أهلها، وهنا بدأ الخلاف يبرز إلى السطح ويتعمق، وأنبت الهواجس الموروثة، ما أدى إلى انهدام الثقة والروابط بين الأطراف المختلفة.
وأرجع مجذوب السبب إلى دخول الجهوية والقبلية إلى معترك الصراع السياسي، بخاصة في ظل تكرر الحديث عن وجود قبائل محددة مطلوب خروجها من هذه المنطقة أو تلك، على الرغم من الوجود التاريخي لها ومساهماتها التنموية والاجتماعية، حيث باتت جزءاً أصيلاً من النسيج الاجتماعي في المنطقة.
ووصف مجذوب ما يدور في النيل الأزرق من اقتتال قبلي بـ”امتداد وظل للصراع السياسي بالبلاد”، حيث “درج السياسيون السودانيون على الاعتصام بالقبلية والجهوية لإسناد الصراع السياسي بالمركز، وهو منحى غاية الخطورة مثلما حدث في دارفور والشرق، فأصبحنا نسمع بتصنيف القبائل سياسياً، بعضها مع التمرد وأخرى مع النظام السابق إلى آخر المنظومة السياسية”.
وأضاف، “هذه الأحداث تؤكد فعلاً أن السودان بات على مفترق الطرق، وعبر المجتمع الدولي في حديثه المتكرر عن مخاوفه من تفككه وانهياره بسبب ما قد تقوده إليه الأوضاع الراهنة”، مردفاً، “وعلى الرغم من كل ذلك يريد كثير من السياسيين العودة بالبلاد إلى عصر القبلية والجهوية كأيام الحكم العثماني عندما كانت بنية الدولة تقوم على السلاطين والعشائر والممالك القبلية”.
وناشد مجذوب السلطات المركزية سرعة التدخل لوقف الاشتباكات القبلية وبذل كل الجهود لإصلاح النسيج المجتمعي وإعادة الأمور إلى نصابها، مطالباً كذلك القيادات الأهلية بالاحتكام إلى صوت العقل والعودة عن كل الممارسات الخاطئة للوصول إلى السلطة السياسية والحصول على أكبر قدر من المكاسب بضغط وقوة القبيلة.
وهنالك أصوات تقول هنالك أطماع غربية تريد السيطرة على الموارد بالتنسيق مع السيد الوالي لذلك اعتمدت على سياسة المناطق المحروقة.. وهنالك عدة شواهد أولها عدم التجديد لي أصحاب الغابات من القائل العربية.. وهم ملاك منذ سنين كل عام يتم تجديد الأوراق برسوم معينة.. هذا العام لم يجدد لهم بحجة الأوضاع غير مستقرة.. وفي نفس الوقت تريد أن تستخدمها كمناطق تعدين.