هل يقبل “الإخوان المسلمون” بالمصالحة الوطنية في السودان اذ يقول بابكر فيصل أنه قد سبق وتناول بالتعليق الدعوة التي أطلقها رئيس حركة تحرير السودان, مني أركو مناوي, للمصالحة مع حزب المؤتمر الوطني المحلول (الفرع السوداني لجماعة الإخوان المسلمين) وقلت أن هناك مطلوبات واجبة التحقق قبل الدخول في أي عملية للتصالح ويأتي في مقدمتها الاعتذار للشعب السوداني عن خطأ الانقلاب العسكري والجرائم التي ارتكبت طوال ثلاثة عقود من حكم الجماعة.
كيف تكون المصالحة الوطنية:
يقول بابكر أن ثاني هذه المطلوبات هو ضرورة إجراء مراجعات جذرية وعلنية تطال العديد من المباديء والمرتكزات التي ينهض عليها بنيان الجماعة الفكري والتي تسببت في تشييد دولة الاستبداد والفساد والحروب الأهلية والعزلة عن العالم, ومن بينها مفاهيم الحاكمية وامتلاك الحقيقة المطلقة والطاعة والاستعلاء وأخوة العقيدة وغيرها من المفاهيم التي تتعارض مع فكرة الدولة الديمقراطية الحديثة.
ينبني فكر الإخوان على أنهم “جماعة المسلمين” وليسوا “جماعة من المسلمين” والفارق بين هذين الوصفين كبيرٌ جداً, فالأول يحصر الإسلام في الجماعة ويستبعد ما عداها من تيارات و تنظيمات وأفكار من دائرة الإسلام بينما الثاني يعترف بوجود جماعات عديدة من ضمنها الإخوان المسلمين.
هم كذلك يصفون من يتبع نهج الجماعة بأنه “إسلامي” وهو مصطلح مُفخخ يحمل في داخله دلالة إقصائية بالمخالفة ذلك لأن من لا يُوصف به يكون بالضرورة “غير إسلامي” وهو أيضاً يعكس بُعداً آخر في غاية الخطورة يوحي بأن إجتهاد الجماعة الخاص في فهم الدين يتطابق مع الدين نفسه. ويجدر بنا في هذا المقام الإشارة إلى أن الإسلام لا يعرف هذا المصطلح فالقرآن يقول (هو سماكم المسلمين) ولم يقل “الإسلاميين”.
أفكار خطيرة:
لا شك أن أفكاراً خطيرة مثل الاستعلاء بالإيمان و العزلة الشعورية هى النتيجة المنطقية لمن يعتنق مفهوم جماعة المسلمين وهى أفكار تتأسس على أن أعضاء الجماعة ليسوا مسلمين عاديين بل هم طليعة من الرساليين الذين امتلكوا الحقيقة المطلقة ويعملون على فرضها على “المجتمع الجاهلي” وبالتالي فإن شعور الانتماء لأخوة الجماعة والاستغناء عمَّن سواهم يُصبح هو الموجه لسلوكهم العام.
إن السعي لفرض الحقيقة على المجتمع يستصحب دعوة مفتوحة للإقصاء واستخدام القوة والعنف متى ما أظهر ذلك المجتمع رفضاً أو مقاومة لذلك التوجه, وهو الأمر الذي تبدى بوضوح في افتتاحية العدد الأول من مجلة “النذير” لسان حال جماعة الأخوان المسلمين في مصر والتي سطرها والد الإمام المؤسس “حسن البنا” حيث دعت أعضاء الجماعة لاستخدام القوة في فرض رسالتهم إذا امتنع الناس عن التجاوب معهم.
نحن هنا بإزاء فكر إقصائي عنيف لا يحتمل الاختلاف ولا يرى في الآخر سوى عضو خبيث يتوجب بتره, والآخر هنا ليس فقط المسلم غير المنتمي للجماعة بل أيضاً غير المسلم. وقد عايشنا بالتجربة كيف أنزلت الجماعة المعاني المذكورة أعلاه لواقع التطبيق العملي خلال ثلاثة عقود من حكمها للسودان.
وبما أن الجماعة لا ترى حقا في أي شىء سوى أفكارها ونهجها الذي تعتقد جازمة أنه يمثل الدواء لجميع المشاكل والأمراض التي تُعاني منها الأمة وهو كذلك طوق النجاة في الحياة الأخرى, فإنها لا تتردد في “تمكين” أفرادها من كل مفاصل الدولة والمجتمع وإقصاء الآخرين فقط بحكم كونهم ليسوا أعضاءا فيها وهو ما يفسر حملات البتر والتشريد التي طالت آلاف المواطنين بحجة تحقيق الصالح العام.
إن نهج الإقصاء واستخدام العنف المُتأصل في فكرة امتلاك الحقيقة يتعارض من حيث المبدأ مع الممارسة الديمقراطية, وكذلك ثبت أن الجماعة عندما تستولي على السلطة عبر القوة و الانقلاب العسكري وتقصى الآخرين فهى لا تلبث أن تمارس العنف والإقصاء مع نفسها وهو الأمر الذي شهدناه في الصراع بين أجنحتها المختلفة (المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي والإصلاح الآن الخ).
أعضاء الجماعة لا يعرفون شيئاً إسمه الاختلاف و التنوع فهم قد نشأوا و تربوا على نهج الطاعة المطلقة الذي يُعاقب كل مختلف بعنف رادع ولا يسمح بتعدد الآراء والأفكار ويتحكم في جميع شئون العضو حتى تلك المتعلقة باتجاهاته واختياراته الشخصية.
الوطن عند الإخوان ليس سوى محطة عابرة ضمن المحطات الست التي وضعها المرشد المؤسس حسن البنا لكيفية انتقال الجماعة من واقع الاستضعاف إلى قوة التمكين, حيث تبدأ بالفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الدولة ثم الخلافة الإسلامية وأخيراً أستاذية العالم.
الجماعة تتبنى مفهوم “الحاكمية” الذي يعني لها حكم الله في الأرض, وما عداها هو حكم الجاهلية أو الطاغوت حيث يتعدى البشر على أخص خصوصيات الله وهو التشريع. وبالنسبة للجماعة فإن الأمة الإسلامية قد فُرض عليها حكم الجاهلية المسنود بالدول الكافرة خصوصا الغربية.
لا يمكن التصالح:
عليه يري بابكر فيصل أنه لا يمكن لشخص عاقل أن يدعو للتصالح مع جماعة تحمل مثل هذه الأفكار الخطيرة وتأبى أن تتراجع عنها حتى بعد أن أثبتت التجربة العملية فشلها الذريع, وهو الأمر الذي ينذر بالوقوع في نفس الفخ القديم حيث كانت الجماعة جزءا من النظام الديمقراطي الشرعي في السودان ولكنها آثرت الانقلاب عليه بالقوة العسكرية حتى تستحوذ على البلد بالكامل وتقيم نظاما استبداديا بناءا على الأفكار التي عرضنا جزءا يسيرا منها أعلاه.