تعدد المبادرات يعقّد الازمة السودانية بدل تطويقها
وجود مبادرتين لحل الأزمة السودانية، أممية وأفريقية في نفس الوقت، يشوش على التحركات السياسية ولا يخدم الإسراع في إيجاد تسوية.
أزمة لا تنتهي
الخرطوم- لا تزال ردود الفعل بشأن المساعي الدولية والإقليمية للتوسط في حل الأزمة السودانية فاترة من قبل المكون المدني الحذر من تسويات قد تهدف إلى تكريس سيطرة الجيش على حسابه، فيما تعددت المبادرات بين أممية وأفريقية وهو ما يزيد حسب مراقبين في تعقيد الأزمة بدل تطويقها.
وطرحت الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد) الثلاثاء مبادرة لتسهيل الحوار بين كافة الأطراف لإيجاد حل جذري للأزمة السودانية.
وتأتي مبادرة “إيغاد” عقب إعلان رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال في السودان “يونيتامس” فولكر بيرتس عن بدء مشاورات “أولية” منفردة مع الأطراف السودانية كافة، تمهيدا لمشاورات (لم يحدد موعدها) يشارك فيها أصحاب المصلحة الرئيسيين من المدنيين والعسكريين. ويقول محللون إن تعدد المبادرات لحل الأزمة السودانية قد يزيد الوضع تعقيدا بدل تطويقه، داعين إلى توحيد الصفوف وتجند الجميع خلف مبادرة واحدة بعناوين واضحة.
◄ مواقف الفعاليات الشعبية والنقابية تشكل عنصرا ضاغطا على الأطراف السياسية، لاسيما الممثلة للمكون المدني
ويشير هؤلاء إلى أن وجود مبادرتين لحل الأزمة، أممية وأفريقية في نفس الوقت، يشوش على التحركات السياسية ولا يخدم الإسراع في إيجاد تسوية.
ولم توضح “إيغاد” تفاصيل مبادرتها التي عرضتها على المكونين العسكري والمدني وإن كانت بنودها تختلف عن تصورات المبادرة الأممية.
والتقى رئيس بعثة “إيغاد” بالسودان عثمان حسن بليل مع عضو مجلس السيادة بالسودان سلمى عبدالجبار بالعاصمة الخرطوم. ووفق بيان مجلس السيادة الانتقالي “اطلعت عضو مجلس السيادة بالسودان سلمى عبدالجبار على مبادرة المنظمة للمساهمة في تجاوز الراهن السياسي بالبلاد، واتجاه السكرتير العام للمنظمة ورقنا جبيهو إلى تبني مفاوضات مع أطراف العملية السياسية”.
و”إيغاد” منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1996 وتتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم كلًا من إثيوبيا، كينيا، أوغندا، الصومال، جيبوتي، إريتريا، السودان وجنوب السودان.
وبينما رحب حزب الأمة القومي أكبر مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا) بمبادرة الحوار الأممية بين مكونات العملية السلمية، إلّا أنه أكد على “تمسك الحزب بخيارات الشعب لإسقاط انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر”.
وأما تجمع المهنيين السودانيين قائد الحراك الاحتجاجي فقال في بيان “نؤكد رفضنا التام لهذه الدعوة (الأممية) إلى الحوار، التي تسعى للدفع تجاه التطبيع مع المجلس العسكري وسلطته”.
ورغم مباركة قوى دولية على غرار الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج للمبادرة الأممية والضغط باتجاه المضي فيها، لا تبدو حظوظها واسعة للتخفيف من الأزمة أمام رفض مكون هام من القوى المدنية المشاركة فيها.
◄ “إيغاد” لم توضح تفاصيل مبادرتها إن كانت تختلف عن تصورات المبادرة الأممية لحل الأزمة السودانية أم لا
ويرى مراقبون أن المعضلة الأكبر التي تواجه المبادرة الأممية هي موقف الفعاليات الشعبية والنقابية التي ترفضها وتعتبرها محاولة لإضفاء شرعية على وجود المكون العسكري في السلطة.
وتنادي هذه الفعاليات بضرورة تمكين المدنيين من السلطة بالكامل، مشددة على أنها مستمرة في تحركاتها الاحتجاجية إلى حين تحقيق مطالبها.
وتشكل مواقف الفعاليات الشعبية والنقابية عنصرا ضاغطا على الأطراف السياسية، لاسيما الممثلة للمكون المدني التي تجد نفسها أمام معادلة صعبة بين القبول بالجلوس على طاولة واحدة مع المكون العسكري، وربما الموافقة لاحقا على الدخول معه في شراكة جديدة في الحكم، وهذا قد يقودها إلى فقدان السند الشعبي، وبين رفض المبادرة أو محاولة التملص منها وهذا سيعني بقاء الأزمة السودانية في حلقة مفرغة، حيث من غير المرجح أن يقبل العسكريون بعملية تحييدهم.
ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي يشهد السودان احتجاجات ردا على إجراءات اتخذها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وعزل رئيس الحكومة عبدالله حمدوك واعتقال مسؤولين وسياسيين.
وفي الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي وقع البرهان وحمدوك اتفاقا سياسيا تضمن عودة الأخير إلى منصبه وتشكيل حكومة كفاءات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، إلا أن الاتفاق لقي معارضة من قبل المحتجين. وفي الثاني من يناير الجاري استقال حمدوك من منصبه بعد ساعات من سقوط ثلاثة قتلى خلال مظاهرات