في 30 يونيو 2019 كانت الأمة السودانية على قلب رجل واحد.. والإرادة الثورية منسجمة وعيون الشعب موجهة نحو شعار الثورة: (حرية، سلام.. وعدالة).
أما هذا العام 2022 فذاكرة أهل السودان حاشدة بتجربة الحكم السيئة لمن لووا عنق الحرية، وأقصوا رفاقهم في الثورة وقادة عملية السلام؛ وحاكموا القضاة ووكلاء النيابة بواسطة بعض النشطاء المتهورين -في حالة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني كله- وشوهوا بأفعالهم تلك قيم العدالة.
30 يونيو يمثل لدى بعض النخب الحزبية والسياسية الفاشلة مجرد سانحة ووسيلة للوصول لكراسي السلطة، بالاستفادة من زخمه الثوري وأشواق الجماهير للتصحيح؛ لتصبح المناسبة الحزينة مجرد عتبات في سلم العودة للحكم من جديد.
ولكن يوم 30 يونيو طعمه يختلف عند الأغلبية التي تعاني من احتباس الدموع وتعلمت من الدرس القاسي.
فهو يوم مؤلم مليء بالأحزان يذكرهم بالتواطؤ والخيانة لقيم الثورة والمشاركة في فض الاعتصام وقتل الثوار وافشال تجربة حكم رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك “التي لم تعبر ولم تنتصر فقط بسبب أفعال تلك القوى الحزبية السياسية الانتهازية”، التي تغازل الشعب هذه الأيام للخروج إلى الشارع مرة أخرى بينما كانت توصد أبوابها في وجوه الثوار واعتصامات الجرحى والمواكب التي كانت تأتي لمكاتبهم الوزارية، وهم ذاتهم من وضعوا أصابعهم في آذانهم طوال عامين ونصف حتى لا يسمعوا أصوات هتاف ومطالب الجماهير.
المحير أنهم عادوا الآن يفاوضون عبر الآلية الثلاثية “الاتحاد الأفريقي والإيقاد ويونيتامس” للمشاركة في العملية السياسية ويتحدثون بلسان عن آفاق الحل، وبلسان آخر يحرضون الشعب للخروج للمواكب يوم 30 يونيو 2022.
سموا الأشياء بأسمائها وأفرزوا الكيمان، هؤلاء يسترخصون دماء الشباب والثوار.
نعم لمواكب الثوار الأحرار في 30 يونيو 2022 للمطالبة بتنزيل شعارات الثورة كاملة وتحقيق العدالة ومحاكمة من أجرموا في عملية فض الاعتصام “عسكريين كانوا أو مدنيين”، ولا أستثني في ذلك قادة بعض الأحزاب التي سحبت أنصارها من ميدان الاعتصام قبل الحادثة المؤلمة بساعات.
أعجبني شعار رفعه بعض الثوار تعبيراً عن رؤيتهم للفترة الانتقالية: (الأحزاب للانتخابات.. العسكر للثكنات.. السلطة للتكنوقراط).
الخلاصة هي أن 30 يونيو 2019 ليس 30 يونيو 2022، والشعب واعٍ وذكي، والسودان “وطن للجميع” وبلاش لف ودوران ومزايدات من أي طرف لتحقيق أجنداته السياسية خصماً على أرواح الآخرين!.
وكما قال المتنبى: “اذا عظم المطلوب قل المساعد”، فهل من مساعد وطني جاد يحقق عظم المطلوب لهؤلاء الشباب بعيداً عن الأهواء والتغبيش والمتاجرة بالدماء والأرواح؟.
قبل الختام، السودان لم يعد ذلك المكان الذي تحكمه أي جهة منفردة بخداع الجماهير.
الرحمة والمغفرة للشهداء وعاجل الشفاء للجرحى والصبر والسلوان لأسر الضحايا!.
خالد الإعيسر