إريتريا والسودان ومصر والصين وتركيا والإمارات.. كيف ستتعامل مع “المصالَحة” الإثيوبية؟
تعتبر السودان أكثر المتأثرين إيجابا بالمصالحة الإثيوبية خاصة بعد توافد عشرات آلاف الفارين من أقاليم القتال إليها، إلى جانب إمكانية العودة لمفاوضات سد النهضة.
مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أولى خطوات المصالحة الداخلية بإطلاق سراح رموز كبيرة للمعارضة بطرفيها الأورومو وتيغراي في السابع من يناير/كانون الثاني الجاري؛ تسود التوقعات بأن مرحلة جديدة من العلاقات والشراكات ستبدأ أو تتراجع مع أديس أبابا.
وبعد يومين من هذا الإعلان، عيّنت الولايات المتحدة السفير ديفيد ساترفيلد مبعوثا خاصا لها إلى القرن الأفريقي، خلفا للسفير المنصرف جيفري فيلتمان.
نيويورك تايمز: الطائرات المسيرة الأجنبية ترجح كفة الميزان
وعمل ساترفيلد بعدة بلدان وخاصة سفيرا لبلاده في تركيا التي تتحدث تقارير أن طائراتها المسيّرة لعبت دورا رئيسيا في قلب موازين القوى لصالح حكومة آبي أحمد بإثيوبيا.
كما سبق لساترفيلد العمل في القاهرة مسؤولا عن مراقبة اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر والتي تشير إليها بعض الأصابع بدور مباشر أو غير مباشر في النزاع الإثيوبي.
الصين ولاعبون آخرون
وعلى هامش التعيين الجديد، كانت قوى دولية أخرى حاضرة في القرن الأفريقي الأسبوع الماضي؛ حيث زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي العاصمة الإريترية أسمرا، ورافق ذلك إعلان بلاده اعتزامها تعيين مبعوث خاص للقرن الأفريقي.
وتتحرك القوتان الكبيرتان (الصين والولايات المتحدة) علنا في الملف الاثيوبي بما لديهما من مصالح في المنطقة عامة، ومع شريكتهما إثيوبيا؛ اقتصاديا مع الصين، وأمنيا وسياسيا مع الولايات المتحدة، بينما تتقاطع مصالح قوى إقليمية أخرى مع التطورات الإثيوبية حربا وسلما، بعضها يدعم حكومة أديس أبابا بالسلاح علنا أو في الخفاء.
إريتريا.. حليف آبي أحمد
كانت إريتريا قبل حوالي 30 عاما جزءا من إثيوبيا قبل أن تنال استقلالها وتصبح دولة مستقلة وتغلق على أديس أبابا المنفذ البحري في الشمال والشمال الغربي.
وعلى الرغم أن من ساهموا في الاستقلال بإريتريا ومن أطاحوا بالحكم العسكري بقيادة منغستو هيلا مريام في إثيوبيا كانوا رفقاء سلاح؛ فإن الخلافات نشبت بينهم بعد وصولهم إلى سدة الحكم، وبلغت ذروتها بحرب حول مثلث “بادمي” الحدودي استمرت من 1998 إلى 2000، وحصدت عشرات الآلاف من الجانبين.
إلى أن جاء آبي أحمد إلى السلطة في 2018 وأطلق مبادرته ووقع اتفاق سلام مع أسمرا، وأصبح الرئيس الإريتري أسياس أفورقي الحليف الأهم له في المنطقة وشريكه في حرب تيغراي.
يقول جمال همد رئيس تحرير موقع “عدوليس” (Adoulis) المختص بالشأن الإريتري “لم ينس أفورقي دور تيغراي في هزيمته خلال الحرب الحدودية، لكن المشهد الإثيوبي بدأ يتغير بالمصالحة”.
هل تستمر أسمرا حليفة لأديس أبابا؟
يقول همد للجزيرة نت إن أفورقي يفضّل العلاقات التكتيكية سريعة العائد لحسابات خاصة به، وعلى هذا الأساس بنى علاقته مع أديس أبابا. ولذا ستتأثر علاقته مع آبي أحمد بهذه المصالحة.
ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، تشهد مناطق شمال غرب وغرب إقليم تيغراي قتالا متواصلا بين قوات إريترية أعادت توغلها في الإقليم وقوات تيغراي، على الرغم من أجواء المصالحة في إثيوبيا.
وينحو عبد الرازق عثمان الباحث في شؤون المنطقة منحى آخر بالقول إن أفورقي ضد تركيبة الدولة الفدرالية الإثيوبية ومع مركزيتها، ولذا يعتقد أن دمج الأورومو وتيغراي في نظام الحكم إحياء للفدرالية وعودة لنقطة الصفر من التوجه المركزي.
أما المحلل العسكري السوداني أحمد عبد الكريم، فيتوقع أن تمتد المواجهات بين إريتريا وتيغراي إلى داخل الأراضي الإريترية. وقال للجزيرة نت “من الصعب أن تترك جبهة “تيغراي” أفورقي ينعم بالاستقرار”.
السودان.. أكثر المتأثرين والمستفيدين
تعد السودان أكثر الدول تأثرا بالنزاع الإثيوبي، خاصة بعد عبور عشرات آلاف الفارين من الأقاليم الإثيوبية إلى حدودها طلبا للجوء.
وتُتهم السودان باستغلال الحرب بإثيوبيا لاستعادة منطقة الفشقة الزراعية التي كانت بيد الإثيوبيين منذ 1995 وحتى سيطر عليها الجيش السوداني في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وطرد القوات الحكومية التي كانت متمركزة على تخوم إقليمي تيغراي وأمهرة الإثيوبيين اللذين شهدا جزءا كبيرا من القتال.
كما تتهم تقارير غير رسمية السودان بدعم جبهة تيغراي في الخفاء، رغم أن الخطاب الرسمي لم يتحدث بهذه اللهجة.
ويربط البلدين أيضا ملف سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق؛ وهو الفرع الرئيس لنهر النيل على بعد حوالي 15 كيلومترا من الحدود السودانية الإثيوبية.
ومنذ 2001 تجري مفاوضات ثلاثية بين البلدين وشريكتهما مصر، للوصول لاتفاق حول ملء وتشغيل السد إلا أنها لم تكلل بالنجاح.
يقول المحلل عبد الكريم أحمد إن استقرار إثيوبيا مهم إستراتيجيا وأمنيا للسودان، وسيؤمن لها حدودا طولها قرابة ألف كيلومتر وتتشاركها عدد من الأقاليم الإثيوبية من الشمال حتى أقصى الجنوب، كما أن الاستقرار سيوقف تدفقات اللاجئين ويوصد الباب أمام جرائم الاتجار بالبشر وتهريبهم المرتبطة بطالبي اللجوء على أراضيها.
وتشير إحصاءات غير رسمية إلى وجود نحو 3 ملايين إثيوبي داخل السودان بصورة غير قانونية، أغلبهم في العاصمة الخرطوم.
ووفق عبد الكريم، فإن السودان أكبر مستفيد من عودة الاستقرار لإثيوبيا، حيث يمكنه التفاوض لإنهاء ملف سد النهضة وحل قضية الفشقة.
وقبل قرارات السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، لاحت بوادر انفراج بين البلدين؛ فقد عادت الاجتماعات بين المسؤولين المحليين على طرفي الحدود بعد غياب امتد لشهور مترافقا مع تصاعد النزاع الإثيوبي.
مصر.. المصالحة في غير صالحها
مصر هي المنافس التقليدي لإثيوبيا على ريادة المنطقة، رغم أنها جغرافيا ليست جزءا من القرن الأفريقي، لكن مصالحها الإستراتيجية ترتبط به؛ وأوّلها أن 65% من إيرادات نهر النيل -شريان الحياة لمصر- تأتي من إثيوبيا، ولذا تنظر القاهرة لسد النهضة على روافد نهر النيل على أنه تهديد لأمنها القومي.
وثانيا؛ يتحكم القرن الأفريقي بالمدخل الجنوبي للبحر الأحمر عبر بوابة باب المندب، وهو بوابة تتحكم في قناة السويس، أحد الروافد الرئيسية للاقتصاد المصري.
لذلك يبدو إضعاف إثيوبيا وانشغالها بصراعات داخلية مرضيا لمصر، مما يجعلها غير قادرة على تنفيذ مشروعات كبرى تنافسها على ريادة المنطقة في ظل الثقل السكاني والتاريخي لكل منهما.
وقال دبلوماسي أفريقي للجزيرة نت -طلب عدم نشر اسمه- إن “القاهرة لا تريد إثيوبيا قوية، والمصالحة ستمكّن أديس أبابا من استعادة قوتها”.
الامارات.. من أكبر المستثمرين
تعد الإمارات واحدة من أكبر 4 دول مستثمرة بإثيوبيا، ووفق إحصاءات حكومية، فإن إجمالي استثماراتها تتجاوز 10 مليارات دولار.
وزادت علاقات أبوظبي قوة بأديس أبابا بعد وصول آبي أحمد إلى الحكم، حيث زاره كبار المسؤولين الإماراتيين.
ومع اندلاع النزاع، تحدّثت تقارير إعلامية واستخباراتية عن دعم إماراتي لحكومة آبي أحمد ومدّها بالمسيرات التي لعبت دورا كبيرا في ترجيح كفة قواته على جبهة تيغراي.
كما حاولت الإمارات استخدام علاقاتها بكل من الخرطوم وأديس أبابا لتسوية ملف الفشقة، عبر مشروع استثماري يخلق تكاملا اقتصاديا بين البلدين، ولكن المقترح واجه معارضة شعبية ومن بعض الأطراف في الحكومة الانتقالية السودانية، مما أوقفه.
يقول مصدر إثيوبي للجزيرة نت إن تغيّر مراكز القوى في أديس أبابا وإعادة السيطرة إلى تيغراي -وهذا يبدو مستبعدا الآن- سيؤثر بالعلاقة مع الإمارات.
تشير تقارير إلى أن الطائرات المسيرة التي دعمت بها تركيا آبي أحمد ساهمت في تفوقه وتقدمه بالقتال في إقليم تيغراي (الأناضول)
تركيا.. شراكة إلى الأمام
تعد تركيا ثاني أكبر الدول المستثمرة في إثيوبيا بجملة استثمارات تتجاوز 15 مليار دولار. كما أن أديس أبابا لعبت دورا كبيرا في توطيد علاقة أنقرة بالاتحاد الأفريقي، مما أسهم في توسعها دبلوماسيا. وبينما كان لتركيا في أفريقيا 8 سفارات فقط عام 2000، وصلت عام 2012 إلى 48 سفارة.
كما زاد التبادل التجاري بينها وبين الدول الأفريقية خاصة في مبيعات السلاح لأكثر من 6 أضعاف. ومع بداية النزاع الإثيوبي، وقّعت اتفاقية تعاون أمني معها باعتها بموجبها أسلحة بحوالي 29 مليون دولار.
وتشير تقارير إعلامية إلى دور بارز لعبته المسيّرات التركية في الحرب لصالح حكومة آبي أحمد، مما يشير إلى أن علاقتها قد تتأثر بهذه المصالحة.
لكن عبد القادر محمد علي الباحث في شؤون القرن الأفريقي يرى أن المصالحة الإثيوبية -في حال نجحت- ستكون أنقرة أحد الرابحين فيها على العديد من المستويات، منها الاقتصادية والجيوسياسية.
ويتوقع في هذا السياق أن يكون لشركات البناء التركية نصيب بعملية إعادة إعمار المناطق والبنى التحتية المدمرة بفعل الحرب، وكذلك حصة في المجال الأمني العسكري من خلال المساهمة في إعادة تسليح الجيش الإثيوبي وتدريبه.
وهو ما ينقل العلاقة بين البلدين إلى الشراكة الإستراتيجية، ويؤثر إيجابا في الحضور التركي بالقرن الأفريقي، وفي ملفات أفريقية عديدة، بالنظر لنفوذ إثيوبيا في القارة السمراء