إفادات تنشر لأول مرة . من خبيرة أمريكية عن سلام جوبا وزلزال دارفور!!!!
نصح خبراء الأمم المتحدة والمراقبون طرفي اتفاقية جوبا علي خطورة أن طرفي التفاوض من اقليم دارفور
إدخال قضايا الاقاليم الأخري في اتفاق جوبا كان مجرد قشرة سمكة السلمون بمظنة السيطرة علي كل السودان
ما يجري في شمال دارفور زلزال ضخم لكنه متوقع ولابد أن يحدث
الجنرال حميدتي أول من يتضرر من نزاعات دارفور 8 أغسطس 2021
وفق رؤية الباحثين – اقاليم السودان عبارة عن مجموعة دول متباينة وبلا روابط ثقافية واجتماعية
سجلتها الدكتورة جينفر سومر، الباحثة الأمريكية المتخصصة في نزاعات دارفور، والتي تُجري دارسة حول قوات الدعم السريع في مستقبل السودان،
نقلا عن (مداميك واشنطن)
“بعد الحوافز التي جنوها من اتفاق السلام في جوبا، يوصف الصراع الحالي بين قبائل الرزيقات العربية وقبيلة الزغاوة الإفريقية في إقليم دارفور بأنه حماقة مفرطة من قادة الحركات المسلحة المستفيدين من الاتفاقية، هذه النزاعات ستحطم مكاسبهم وستهب على الإقليم الصحراوي المأزوم عاصفة إنسانية وحقوقية قاسية، وعلى دولة السودان وكذلك الهش المهدد بالانهيار، ومن المرجح تطور حدة النزاع وستؤدي تداعايته لتغيير دراماتكي وجذري في تركيبة التحالفات المهيمنة على الحكومة الحالية وتبديل مراكز قوى القرار السياسي، وذلك سيعصف بالطبع بقادة من مشهد سياسي قاتم وغير واضح المعالم ما زال في طور التكوين”.
ما يجري في شمال دارفور زلزال ضخم لكنه متوقع ولا بد أن يحدث لماذا
لان تغيير موازين القوى السياسية، وبمعزل عن الثقل الشعبي والعسكري بعد اتفاقية جوبا للسلام، خلق واقعاً مختلاً في بيئة تعاني من الانحياز القبلي الأعمى، وتعتمد على القوة، ولا وجود للقانون، وهذا جعل القرار السياسي في السودان يتأثر برؤية زعماء العشائر الذين يوفرون الحماية لأفراد قبائلهم، ومثال جيد لخلل الميزان السياسي أن قبيلة الزغاوة لا تتعدى نسبة تعدادها (4%) من سكان السودان البالغ أكثر من (40) مليون نسمة، ومع ذلك نفوذها السياسي بعد الاتفاقية أصبح يتعدى الـ (40%)، من نسبة اتخاذ القرار، وهذا يعكس بالطبع تشريح السلطة في بلد مثل السودان وميزان القوى السياسية بعد التغيير الجذري عام 2019، الذي اختل لأنه أغفل الثقل الجماهيري، ولهذا الإغفال آثار سلبية عميقة على مستقبل الديمقراطية والسلام، وأيضاً على الإقليم السوداني الغربي بشكل خاص.
وهناك نفوذاً كبيراً للإقليم الغربي في الحكومة القومية، ويبدو منصفاً للإقليم، لكن عند تحليله نجده مخالفاً لقواعد الإنصاف عندما نتوصل إلى أن مجموعة إثنية صغيرة من الإقليم أو جزء من قبيلة نال كل النفوذ، وجعل في يده القرار السياسي دون الآخرين. عدم الإنصاف هذا يجعل من بيده القرار يتوهم أوهام قوة كاذبة ليست في استطاعته إنفاذها نتيجة لاضطربات الغبن الإثني من تاريخ الصراعات المريرة في مجتمع إقليم دارفور الذي تتحكم في اتجاهاته وميوله ثقافة قبلية قائمة على التمييز في كل شيء، وبالتالي لن يخضع الأغلبية للقرار السياسي من سلطة تمثلها أقلية ظلت لعقود في صراعٍ دامٍ معها. إنها أزمة ثقة من الدرجة الأولى.
فما هي الحلول؟
دخول المجموعة الحاكمة وفق حوافز اتفافية جوبا في نزاع في هذه المرحلة، يُعدُّ عدم حكمة وحماقة، وسيدفع الثمن غالياً من يقدم على هذه الحماقة، فالاتفاقية قد أعطت الموقعين عليها امتيازات لن تُحقِّقها لهم انتخابات، ولن يستطيعوا فرضها بالقوة، ويجب أن يحافظوا عليها بالالتزام بالسلوك السلمي مع الشركاء، والابتعاد عن كل ما يعكر علاقاتهم في الإقليم، وكبح جماح التمدد الإثني في الأراضي والنفوذ، وأعني بالكبح عدم الرضوخ لزعماء القبيلة والعشائر، وعدم تعكير صفو العلاقات الإثنية بالتحكم التام في قادتهم العسكريين، وجنودهم غير المحترفين الذين ترصد سجلاتهم خروقاتٍ وانفلاتاً مروّعاً حسب تقارير غربية منشورة.
لماذا يستوجب عليهم كبح طموحهم
هم لم ينتصروا ويحسموا المعركة، وليس بمقدورهم فعل ذلك، عليهم أن يعوا ذلك، ويعلموا أن هناك خللاً في اتفاقية السلام التي لم تُبنَ على معطيات الواقع المُعقّد، بل بُنِيَتْ على ترضيات واتفاق على فرض أجندة إعمار دافور على الأقاليم الأخرى، واستئثار منسوبى دارفور بالسلطة دون الآخرين، وكان هذا سوءَ تقديرٍ وضعفاً من مفاوضي الجانبين، وقد نصحتهم وساطة الترويكا بعدم الوقوع في هذا الفخ، والأفضل أن تُبنى الاتفاقية على معطيات موضوعية على أرض الواقع، لكنهم قالوا إننا اتفقنا كاخوة في الوطن وتجاوزنا الدماء، فماذا سيقول من يُسهِّل التفاوض؟ وماذا يفعل؟
في اعتقادي الخاص أن المفاوضين من كلا الطرفين غفلوا عن نظرة شاملة للسودان في التفاوض، بسبب أن وفدي الحكومة والمتمردين كانا من أفراد من إقليم دارفور، لذا جاءت اتفاقية بعين دارفور، كأنها كل البلد الشاسع وهذا غير صحيح
وسبق ان نبههم ممثل الأمم المتحدة في عملية التفاوض لتلك النقطة، وأشار إلى أن المفاوضين يسعون بتلك الاتفاقية لتقليص نفوذ الجلابة، وهم سكان العاصمة. إذن التفاوض كان بعين دارفور، لكن تلك العين لم ترَ أيضاً تعقيدات إقليم دارفور،
وثانياً أعتقد أن ممثلي الأقاليم الأخرى في مائدة التفاوض كانوا قشرة على سمكة سلمون، وتمت إضافتهم للتفاوض دون سبب منطقي فلا صراعات مسلحة أو جيوش لهم، ولا يتمتعون بثقل أو بقبول وسط سكان المناطق التي يمثلونها، لذا أقول إن هناك أخطاء إن لم يتم تداركها ستعصف بعملية السلام الهش.
هل سيتطور هذا الصراع، ومن الخاسر فيه؟
تطور هذا النزاع القبلي هو الاحتمال الأرجح لأن أسباب وديناميكية تطوره متوفرة، وسيضع الجنرال حميدتي دقلو أمام خيارين: الأول هو الانحياز إلى الدولة كمؤسسة، وبالتالي سيفقد نفوذه القبلي الذي يمده بالمجندين ويقوّي قوات الجنجويد بقيادة أبناء عمومته هلال، وسيُطيح بدقلو خارج الملعب.
أما الخيار الثاني فهو أن يتخلى عن مؤسسة الدولة وينخرط في القتال القبلي وينحاز إلى القبيلة، وذلك سيطيح به من الحكومة التي تتطلب الحياد،
فالخاسر الأكبر من تطور النزاع هو الجنرال دقلو. أما قادة الحركات فهم من أكبر المتضررين من تطور الصراع، وسيُطيح بهم النزاع من مواقع قوة الدولة، ويخسرون نفوذهم الذي أتى من اتفاق السلام.
أما المتضرر الأساسي فهى الحكومة المسنودة دولياً، وتفخر بإنجاز ملف السلام، وتعمل من خلاله للخروج من الأزمة الاقتصادية.
إذن، ما رؤيتك حول أزمة دارفور بالنسبة لأزمة السودان ككل؟
السودان يتكون من عدة دول مختلفة نوعياً وجغرافياً وثقافياً عن بعضها، تمت صناعة دولة واحدة منها بالاستعمار الإنجليزي بحسب ما اقتضته مصلحته، وهذا رأي عام عند الباحثين في مجال الأزمات في إفريقيا بعد أن توصلوا إلى أن هناك فرقاً كبيراً عند تحليل الصراعات في أجزاء السودان، وأكبر الاختلافات هو وجود التزام بالخضوع للقانون والدولة في وسط السودان نسبة لوجود دولة وسلطة منذ قبل التاريخ ومستمرة بعدة أشكال، ويختلف الحال بإجراء تحليل لأطراف السودان، فينعدم هذا الخضوع للدولة نتيجة لغيابه في حقب تاريخية كثيرة، واعتمدت الحماية والقانون على القبيلة، ويسود الأطراف الغربية والشرقية ثقافة غياب الدولة وعدم جدوى القانون، وتُحسم النزعات بوحشية ويطول أمدها.
أما حالة دارفور فهي أكثر تعقيداً، فالإقليم الواقع غرب البلاد عبارة إقليم في دولة، لكنه في حقيقة الأمر مركب من عدة دول تتقاطع بها مصالح دولية، وترتفع فيها مشاعر الانتماء والولاء القبلي، وبها صراع أزلي حول الموارد والنفوذ، خاصة في مواسم الجفاف التي تكثر فيها الهجرات. وبعض الإثنيات والقبائل بالإقليم ليس لديها انتماء حقيقي للوطن الأم، وأعني السودان، فهناك قبائل ولاؤها لتشاد، وأيضاً هناك من يتربط بليبيا، وكل هذا نتاج لامتداد عرقي. أيضاً يعقد موقع الإقليم الجغرافي من أزمات الصراع من جانب والانتماء من جانب آخر، فالإقليم في التصنيف السياسي جزء من حزام الساحل الإفريقي الذي يشكل مصالح اقتصادية وأمنية حيوية لفرنسا، ولا بد من تدخلها فيه لحماية مصالحها.