اختفاء سلع من أسواق السودان والدولار يرتفع بشكل مفاجئ
على نحو مفاجئ، عاود الجنيه السوداني تراجعه مجددا أمام الدولار الاثنين، وتخطى حاجز 570 جنيها على الرغم من حال الاستقرار التي شهدتها السوق الموازية في الأشهر الماضية، إذ تراوح سعر الدولار ضمن نطاق 550 و560 جنيها مع تساوي سعر البيع بالكاش والشيكات المصرفية.
عدة أسباب دفع بها المختصون لهذا الارتفاع المفاجئ وسط توقعات بأن يواصل الدولار رحلة الصعود.
وتزامن انخفاض الجنيه مع اختفاء بعض السلع ذات الأسعار المرتفعة من الأسواق نتيجة الانهيار الاقتصادي.
وكشف عدد من التجار في الخرطوم عن اختفاء سلع مهمة وخصوصا المستوردة، وقالوا إن السلع التي اختفت أبرزها العدس والأرز ولبن البدرة، واتهموا بعض الموردين وتوقعوا ارتفاع أسعارها خلال الأيام المقبلة.
وأرجع مختصون الارتفاع لأسباب مختلفة متعلقة بتراجع نسبة الطلب مقابل الطلب على العملات الأجنبية من الأسواق الموازية، الأمر الذي عززه استمرار البنك المركزي بتلبية متطلبات الاستيراد من النقد الأجنبي عبر البنوك، إضافة إلى توقف الصفقات المالية لسحب العملة الأجنبية عبر السوق السوداء.
وتوقع خبراء اقتصاد أن يراوح سعر الدولار بين 800 و900 جنيه بنهاية هذا العام، ووصفوا المعالجات التي تقوم بها الحكومة لتخيف الغلاء وارتفاع الأسعار بأنها غير ذات جدوى، وأكدوا أن الدولة الآن “مفلسة” ولا تملك أي مصادر دخل بعدما دُمّر القطاعان الزراعي والصناعي بالإنفاق غير المبرر على الأجهزة الأمنية والعسكرية والدستورية ومؤسسة الرئاسة.
كما توقعوا حدوث مجاعة نتيجة الجفاف وفشل الموسم الزراعي الذي تتبدى ملامحه في مناطق واسعة ومهمة من البلاد.
في السياق، يرى الخبير المصرفي محمد عبد الرحمن أن المؤشرات الاقتصادية لم تتحسن، كما أن الصادرات لا تزال ضعيفة، فضلا عما يتم تصديره في مُعظم الأحيان، فإن عائدات الصادر يتم تهريبها، إلى جانب ارتفاع معدل التضخم.
وتابع أن من أهم المؤثرات على تدني قيمة الجنيه التضخم، موضحا أنه بنفس القدر الذي تنخفض فيه قيمة الجنيه في شراء السلع تنخفض أسعار العملات الأجنبية، كما أن حساب التجار عند استيراد السلع دائما ما يكون مرتفعا بقدر كبير، حيث يقومون باحتساب ما لا يقل عن 100 جنيه إضافية للدولار لتوقعاتهم المستمرة بارتفاع العملة الخضراء حتى لا يعرضوا بضائعهم للخسارة.
كما أكد أهمية مراجعة معدلات التضخم التي يتسبب فيها عجز الموازنة، مشيرا إلى أن انعكاس التضخم أيضا في ارتفاع تكلفة الصادر وانخفاض القدرة التنافسية للسلع السودانية.
بدوره، الخبير الاقتصادي محمد الناير قال لـ”العربي الجديد” إن الاقتصاد السوداني لم يصل إلى مرحلة التوازن حتى الآن، ولم تتضح مَصادر الدخل الأجنبي، الأمر الذي كانت له آثاره على انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
وأضاف الناير أن العملاء في السوق الموازية يشعرون بأن الدولة حتى الآن لا تمتلك احتياطيا مهما يمكنها من تحقيق استقرار سعر الصرف، إضافة إلى أن الاقتصاد لا يزال يتأثر بالشائعات.
ولم يتفاءل الخبير الاقتصادي عبدالعزيز إسحق بالأوضاع الحالية، لكنه يرى أن الفوضى في السياسات غير المدروسة ربما تصل بالدولار إلى مستويات عالية تزيد من معاناة السودانيين وتقلل من قدرتهم الشرائية وتزيد الفقراء فقرا، فتصبح المعادلة صعبة الإصلاح في وقت تتآكل قيمة الجنيه السوداني.
وفي الأثناء، وجهت الغرفة القومية للمستوردين كل المنتسبين إليها بإيقاف الاستيراد وعدم سداد الرسوم الجمركية والضريبية، وأي رسوم حكومية أخرى، لمدة 3 أيام اعتبارا من يوم الأحد 7 أغسطس/آب، حتى يتم التواصل مع الجهات وأصدرت بيانا حول آثار زيادة سعر الصرف للعملات الأجنبية في النظام الجمركي.
وأوضحت أن الغرفة ظلت تتابع عن كثب “التطورات والزيادات” التي تطرأ على القطاع الخاص وبصفة خاصة قطاع الاستيراد، مما ترتب عليها إيقاف للاستيراد بصورة شبه كاملة وانعكس ذلك على إيرادات الدولة ومعيشة المواطن.
وأعلن عضو الغرفة المعتز المكي توقف حركة الاستيراد 70% بصورة غير معلنة، وعزا ذلك إلى ارتفاع رسوم النقل وتذبذب حركة الدولار، فضلا عن تآكل القوّة الشرائية، خصوصا بعد امتناع الحكومة عن شراء السلع من السوق باعتبارها أكبر مستورد لها عقب إنشائها شركات استيراد تسد حاجة مؤسسات الدولة من السلع بدلا من تعاقدها مع الموردين.
وأكد إفلاس معظم المستوردين عقب تعرّضهم إلى خسائر فادحة جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية، مشيرا إلى أن معظم نزلاء السجون هم من التجار.
إلا أن وزير المالية جبريل إبراهيم طالب في اجتماع ، بزيادة وتعظيم إيراداتها الضريبية والجمركية لحلحلة مشاكل المشروعات في قطاعات الطرق والمياه والكباري وخاصة كُبري الدباسين لتسريع العمل فيه.
وظلت السوق الموازية لأشهر تترقب سياسة تحرير سعر الصرف ومعرفة الإجراءات المقبلة من الحكومة، خاصة أن هنالك كثيرا من العاطلين من العمل اتخذوا تجارة الدولار مهنة في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة، الأمر الذي يجعلهم حريصين على عدم نجاح تلك السياسة.
في غضون ذلك، ينتهز بعض التجار الكبار أي فرصة لإعادة توزيع خارطة السوق الموازية عبر سحب العملة المحلية من البنوك بكميات كبيرة، ما جعل البنوك عاجزة عن تلبية طلب صرف الدولار إلى الجنيه، خاصة الكميات الكبيرة التي إن وُجدت لا تلبي حاجة الزبائن الذين وجدوا في السوق الموازية مطلبهم.
ويقول الاقتصادي عبد المعين عبدالله لـ”العربي الجديد” إن “هناك أزمة سيولة جنيه في البنوك السودانية ربما تعيدنا إلى أزمة النقد (الكاش)”، لأن الملاحظ أن النقد المحلي في البنوك السودانية من الفئات الصغيرة وغير القابل للتداول “عمره الافتراضي انتهى”، إذ يرفض كثير من المتعاملين الفئات الصغيرة المهترئة ويلجأون إلى السوق الموازية التي تلبي رغباتهم بفئات كبيرة جيدة بلا عناء.
ويعاني السودان من عجز الميزان التجاري، حيث واردات الدولة أكثر من صادراتها، بما يشكل ضغطا متواصلا على سعر صرف الجنيه ويؤدي إلى انخفاض مستمر لقيمته أمام الدولار.
ووفقا لآخر إحصائية حكومية، فإن قيمة صادرات السودان بلغت 3 مليارات دولار مقابل 9 مليارات واردات، ما فاقم عجز الميزان التجاري إلى 6 مليارات