اغلاق الطرق بين الشرق والعاصمة لليوم الثالث علي التوالي والحكومة لم تتحرك
الخرطوم – تفاعلت التطورات في شرق السودان بصورة سريعة، وكان هناك من يرتاحون إلى تصاعد حدة الأوضاع بعد استمرار غلق الطرق بين الشرق والعاصمة الخرطوم لليوم الثالث على التوالي، ولم تتحرك السلطة التنفيذية بشقيها (مجلس السيادة والحكومة) جديا للسيطرة على أزمة قد تؤدي إلى انفصال الشرق.الازمة دخلت فصلا جديد عقب دعوة رئيس مجلس السيادة الي حلا الحكومة الحالية تكوين مجلس انتقالي
ويوحي ذهاب وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي إلى شرق السودان الأحد، حسب تأكيد وسائل إعلام محلية، لعقد لقاء مع رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا محمد أحمد ترك بأن الأزمة تتعلق بالسياسة الخارجية لأن بحث قضية الشرق وتداعيات الإغلاق من مشمولات المسؤولين المعنيين بقضايا الداخل.
ويشير إيفاد وزيرة الخارجية إلى استهانة ظاهرة بالبعد الداخلي وتقزيم لتفاعلاته الراهنة وعدم إنكار البعد الإقليمي الذي جرى التلميح إليه مؤخرا على لسان مسؤولين في الشرق، بحكم تقاطعاته مع ثلاث دول مجاورة، هي مصر وإريتريا وإثيوبي
ودخلت الأزمة فصلا جديدا عقب تصميم الشرق على استمرار غلق الطرق ودعوة رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان إلى حل الحكومة المدنية وتكوين مجلس انتقالي جديد، وهي دعوة سياسية مقصودة ترمي إلى حصر الأزمة مع الحكومة.
وقال رئيس مجلس نظارات البجا في خطاب موجه إلى الجماهير بمدينة سواكن السبت “على البرهان إما أن يحل الحكومة ويشكل مجلسا عسكريا انتقاليا يهيِّئ الساحة السياسية لانتخابات حرة ونزيهة، وإما أن يسمح لنا بتكوين حكومتنا في الإقليم الشرقي”.
نَكْءُ جِراح الشرق والتهديد بتشكيل حكومة للإقليم فكرة يمكن أن تتدحرج إلى أقاليم أخرى أكثر سخونة
ويشير مراقبون إلى أن التلويح بهذه الورقة يضاعف من حساسية التعامل مع الأزمة، فرغم أنه يمكن فهمها كورقة للضغط والتهديد فقط، إلا أنها تكشف أيضا عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الأزمة إذا لم يتم توفير السبل اللازمة لاحتواء روافدها السياسية.
وأخفقت الاتهامات الموجهة إلى المحتجين بأنهم ينفذون أجندة خفية تتبناها فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير في وقف التصعيد، حيث يرى المحتجون أن هناك أحزابا استولت على السلطة بعد ثورة ديسمبر التي “مهرها ثوار غير حزبيين بدمائهم الغالية”، كمحاولة للتنصل من استمرار العلاقة بنظام البشير والعمل لحسابها.
ولم ينف ترك نفسه عضويته في حزب المؤتمر الوطني المنحل، قائلا “إنني واليت المؤتمر الوطني عن قناعة وكنت أختلف وأتفق معهم وفقاً لمصالح شعبي، عكس الآخرين الذين كانوا يوالونه خوفاً وطمعاً ويخدمونه على حساب مصالح أهاليهم. أنا كنت أصارع المؤتمر الوطني من الداخل دون خوف”
وبحسب مراقبين فإن الأخطر من هذا أن ترك ناشد الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي دعم الجيش السوداني في مهمة إنجاح الفترة الانتقالية بحكومة كفاءات غير حزبية وتشكيل مفوضيات للانتخابات والتعداد السكاني ومكافحة الفساد، الأمر الذي يعني أنه وأعوانه يريدون الفصل بين الشقيْن العسكري والمدني في السلطة، بما يدعم فكرة وجود مخطط لتقسيم السلطة.
ويصف ممثلو الإقليم قادة مسار الشرق الذين وقعوا على اتفاقية جوبا للسلام العام الماضي بأنهم “اختطفوا الشرق”، في إشارة إلى عدم الاهتمام بالقضايا الحيوية والقفز عليها لصالح حركات توصلت إلى تفاهمات مع الحكومة من وراء ظهر سكان المنطقة الحقيقيين.
وبدأت تحدث احتكاكات بين سكان من الإقليم ولجان المقاومة التي تنتمي إلى تحالف قوى الحرية والتغيير الذي يمثل الظهير السياسي للحكومة، إذ وصفت الأخيرة إغلاق الإقليم ومنع المرور بأنهما “فوضى”، ورد الفريق الأول بالقول “أين كانت هذه الأجسام عندما رفعت شعارات الثورة بتتريس الثوار للشوارع حتى إسقاط البشير؟”.
ويشكك منتمون إلى قبائل البجا في أهداف الجسم المدني في السلطة الانتقالية بعد أن دخلوا في حوارات سابقة مع الحكومة ووصلوا إلى تفاهمات لم تلتزم بتنفيذها خلال الأشهر الماضية، ما جعلهم لا يثقون فيها ويرون أن الانقسام داخلها يعرقل تنفيذ مطالبهم، ومن هنا جرى التركيز على مخاطبة البرهان كدليل على فقدان الثقة في مكونات الحكومة.
اختبار حقيقي لمجلس السيادة في السودان
ويقول متابعون إن تمسك مجلس السلام بمسار الشرق المرفوض من قبل البجا يأتي خوفا من مطالبات أخرى لأصحاب مسارات في الغرب والجنوب يريدون فتحها أو إلغاءها إذا تم القيام بذلك في مسار الشرق.
ويضيف المراقبون أن نكْء جراح الشرق والتهديد بتشكيل حكومة خاصة بالإقليم فكرة يمكن أن تتدحرج إلى أقاليم أخرى أكثر سخونة في الغرب والجنوب، وتتهيأ لها فرص مواتية، في ظل عدم تمكن الخرطوم من تنفيذ تعهداتها المتعلقة بالترتيبات الأمنية واستمرار الأزمات وعدم التوافق التام حول دمج الحركات المسلحة في هياكل الجيش.
ومع ارتفاع منسوب التحديات التي تواجه الحكومة على عدة مستويات باتت أزمة الشرق اختبارا يتجاوز حدود هذا الإقليم، فالطريقة التي ستتعامل بها الحكومة مع هذه الأزمة وآليات حلها سوف تصبحان مؤشرا على منهجها في أقاليم أخرى لديها مطالب وظروف مشابهة.
ويمكن أن يؤدي فتح اتفاقية جوبا إلى إدخال قضايا جديدة لاسيما في إقليم دارفور من جانب جماعات ترى أن الحركات المسلحة المنخرطة في الجبهة الثورية التي وقعت على اتفاق جوبا لا تعكس إرادتها، ما يشي بحجم المأزق الذي تواجهه الحكومة التي كانت تراهن على الزمن لمداواة الجروح السياسية التي كشفها مسار الشرق.
وتثير أمراض الشرق السياسية إشكالية ظلت غائبة عن الخطاب الرسمي في الإقليم ولدى الحكومة ولا يريد أحد التطرق إليها وتتعلق بشبح تقرير المصير الذي يمكن أن يتزايد الحديث حوله طالما أن السلطة التنفيذية غير قادرة على حل الأزمات في الغرب والشرق، ناهيك عن الجنوب وما يكتنفه من غموض.
وحذرت مصادر أمنية سودانية من مخاطر التهاون إزاء ما يجري في الشرق، لأن كل العوامل تصب في خانة التسخين السياسي والأمني؛ فالبيئة العامة قبلية ومليئة باحتقانات تاريخية، والسلاح المتوافر في أيدي المواطنين يسمح بالاقتتال، كما أن الحدود المفتوحة مع دول الجوار توفر أجواء مناسبة لزيادة التصعيد الذي يمكن أن يقود إلى البحث عن خيارات تتجاوز حدود حل الأزمة في نطاق الحكومة المركزية.