البرهان غير راضي عن تحركات فولكر
لم يتردد رئيس مجلس السيادة السوداني، القائد العام للجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، في إظهار امتعاضه من تحركات رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة “يونيتامس” (UNITAMS)، فولكر بيرتس، الذي بادر إلى ما وصفها بعملية سياسية لتسوية الأزمة المتصاعدة منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي؛ أي منذ إجراءات البرهان التي أطاحت بالشركاء المدنيين وجمّدت بنود الوثيقة الدستورية وفرضت حالة الطوارئ.
وقال البرهان -في مقابلة تلفزيونية ليل السبت الماضي- إن التفاهم مع فولكر جاء ليكون وسيطا يدعو الجميع للحوار ولا يتبنى طرح مبادرة، مضيفا أن رئيس البعثة الأممية “انشغل عن أعمال كان ينبغي أن يتولاها، وبينها التحضير للانتخابات”.
وإمعانا في تأكيد عدم رضاه عن تحركات فولكر، قال البرهان إن المسؤول الأممي متأثر بالحديث مع مجموعة محددة، وهو ما يمكن أن يمس عمله، كما أنه ليس على دراية كافية بطبيعة القوى السياسية السودانية.
وهو ما يستدعي -وفقا لمسؤول السيادي- أن تتولى جهة سودانية جميع المبادرات وتدرسها لجنة وطنية، ومن ثم تخرج برؤية محددة. وهذه، كما يقول البرهان، ليس مهمة المبعوث الأممي.
تصريح خطير
ووصفت مصادر مقربة من البعثة الأممية -للجزيرة نت- حديث البرهان بـ”الخطير”، وقالت إن فولكر بيرتس أوضح منذ فاتحة العملية التي أطلقها أنها ليست مبادرة، وإنما مساع لتسهيل جلوس الأطراف السودانية على مائدة حوار واحدة.
وأضافت المصادر “منذ إطلاق العملية، اجتمع فولكر بنحو ألف شخصية سودانية منهيا بذلك المشاورات الأولية، ويتم الآن العمل على وثيقة توضح نقاط الخلاف والاتفاق بين كل الأطراف، وسيتم نشرها على الملأ، توطئة للانتقال إلى المرحلة اللاحقة”.
وفي تصريح له أمس الأحد، قال فولكر “كانت المشاورات قيّمة بعد السماح لنا بالاستماع إلى مجموعة من وجهات النظر والمقترحات المقدمة من قطاعات الشعب السوداني، للتغلب على الأزمة السياسية الحالية. نشعر بالامتنان لالتزام وحماس العشرات من ممثلي مجموعات من أنحاء السودان الذين جاؤوا لمقابلتنا، وشاركوا بشكل بنّاء، وتبادلوا أفكارهم الملموسة معنا”.
وعلى غير المتوقع، تحاشى فولكر التعليق الفوري على حديث البرهان، وآثر -في ما يبدو- عدم الخوض في الرد عليه، في حين قالت مصادر في البعثة إن الرجل كان منهمكا طوال نهار أمس الأحد في سلسلة اجتماعات، ولم تستبعد صدور تعليق منه على حديث البرهان في وقت لاحق.
وبحسب مراقبين، فإن المكوّن العسكري الذي رحب على نحو واضح بالمساعي التي يبذلها الاتحاد الأفريقي -والتي مضت على نسق تحركات فولكر بالمبادرة إلى سلسلة مشاورات موسعة مع القوى السياسية السودانية- لم يتحمّس منذ البداية لطرح الأمم المتحدة باعتباره تدخلا في الشأن الداخلي، وهو ما سيهدد، على نحو بيّن، فرص تحقيق المساعي الأممية أي اختراق في الأزمة السودانية.
رفض صريح
ومن وجهة نظر رئيس الهيئة السياسية بالتجمع الاتحادي، عز العرب حمد النيل، فإن البرهان ينظر بريبة إلى ما أطلقه فولكر من نية الوقوف موقف الميسّر للوصول إلى اتفاق بين طرفي الصراع في المسألة السودانية.
ويقول حمد النيل -للجزيرة نت- “برغم أن فولكر يمثل الأمم المتحدة، فإن البرهان لا يحفل به كثيرا ويعتبره غير مؤثر في مسرح العملية السياسية باعتبار أنه (البرهان) يسند ظهره إلى أطراف خارجية أخرى تمثل الداعم الرئيسي له في ’الانقلاب‘ على الحكومة الانتقالية”.
ويعتقد حمد النيل أن موقف البرهان حيال المبادرة الأممية يعني -من ناحية ثانية- استعانة بوجهة نظر أنصار النظام السابق في ما يزعمون أنه ارتهان للقوى الخارجية.
وفي المقابل، يُمثّل الاتحاد الأفريقي درجة القرابة الجغرافية والسياسية، حيث الحكومات غير المنتخبة وانعدام الديمقراطية، لذلك ينظر إليه البرهان على أنه خير ظهير في ما يمارسه، وفقا لحمد النيل.
ويرى القيادي بالتجمع الاتحادي أن ما ورد في حديث البرهان يبدو مدخلا لرفض كل ما تتمخض عنه تحركات فولكر، أو ربما البحث عن نوافذ أخرى تتسق وحديث البرهان عن توافق سياسي.
وقال قيادي في تحالف الحرية والتغيير -للجزيرة نت- إن المكون العسكري حشد مناصريه نحو 3 مرات للاحتجاج على مساعي مبعوث الأمم المتحدة، ووصل حد المطالبة بطرده، وهو ما يعني عدم التجاوب مع مشاوراته وما تخلص إليها من نتائج.
اضطراب الخطاب الرسمي
لكن المحلل السياسي، عبد الله رزق، يرجح أن البرهان لا يرفض تحركات المبعوث الأممي، إلا أن موقفه يُظهر على نحو جلي وجود اضطراب في الخطاب الرسمي، بالنظر إلى التصريحات المثارة حول مواجهة التدخلات الخارجية واعتراض وزارة الخارجية على الأنشطة السياسية والاجتماعية للمبعوثين الأجانب.
ويضيف رزق -للجزيرة نت- “في سياق هذا الاضطراب، فإن الجهات الخارجية المعنية بالتحذير هي الغربية، وليس كل الجهات والبعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخرطوم. وفي إطار هذا الالتباس، تم اعتبار فولكر ومبادرته ضمن الرفض المعلن للتدخلات الخارجية”.
ويشير المحلل إلى أن تحرك فولكر بيرتس يتفق تماما مع مفهوم الوفاق، الذي يبشر به البرهان كمخرج من الأزمة، بجانب الانتخابات، حال تعذر التوافق.