السودان يضع يده على شركات وعقارات وفنادق لحركة حماس
الخرطوم – تخلصت السلطة الانتقالية في السودان من أحد المنغّصات التي شكلت حائلاً أمام تطبيع علاقتها بالكامل مع المجتمع الدولي بعد أن تمكّنت من مصادرة جميع أصول حركة حماس الفلسطينية على أراضيها الخميس ما يفتح الباب للحديث عن تخفيف ضغوط خارجية ضبطت بوصلتها في اتجاه الدفع نحو دحض أخطار الحركة الإسلامية السودانية، وذلك بالتوازي مع مخاوف داخلية من عودة الإخوان للسلطة وسط مناوشات بين عسكريين ومدنيين.
وأعلنت السلطات السودانية الخميس سيطرتها على أصول مربحة وفّرت دعما لحركة حماس خلال فترة الرئيس السابق عمر حسن البشير، واستحوذت على ما لا يقل عن اثنتي عشرة شركة قال مسؤولون سودانيون إنها مرتبطة بحركة حماس.
وتضمّنت أصول حماس فنادق وعقارات وشركات متعددة الأغراض ومحطة تلفزيونية وأراضي وصرافات، كما أوقفت الخرطوم كل عمليات تحويل الأموال للحركة وحسابات الشركات والأفراد الذين يعملون لصالحها، ما شكل ضربة مادية قوية لأحد أجنحة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان التي ظلت تتحرك بحرية في السودان.
صلاح الدين الدومة: الضغوط الدولية لعبت دورا في مصادرة أصول حماس وأموالها
وحسب لجنة إزالة التمكين في السودان حصلت الشركات التابعة لحماس على معاملة تفضيلية في المناقصات وإعفاءات ضريبية غير محدودة، وأن نظام البشير حوّل البلاد إلى “مركز لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب وسمح لعناصر الحركة بالتنقل من دون شروط”.
وتعدّ هذه الخطوة الأولى من نوعها على مستوى مجابهة تحركات التنظيم الدولي للإخوان، وهي الأكثر فاعلية على مستوى التعامل مع تمويل عناصر الحركة الإسلامية الذين نشطوا في مواقع سودانية عديدة ولا زالوا يشكلون خطراً على السلطة التي لم تقم بمواجهة جادة معهم وبدت مترددة بشأن مصادرة أموالهم أو عزلهم بشكل نهائي عن الحياة السياسية وعدم السماح لهم بالاندماج في مؤسسات الحكم الانتقالي.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صلاح الدين الدومة لـ”العرب” أن قرارات السلطة الانتقالية ليست نابعة من إرادتها الكاملة، وأن الضغوط الدولية لعبت دوراً في مصادرة أصول حماس وأموالها في الوقت الراهن، وسط توجه نحو استكمال السلطة لخطوات التطبيع مع إسرائيل، غير أنها في حاجة إلى إقناع المجتمع الدولي بأن هناك مواجهة حاسمة ضد جماعات الإسلام السياسي حيث تركت مساحة لعناصر الحركة الإسلامية يتحركون فيها بحرية في الداخل.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن القضاء على الفلول والإخوان وأذرعهم المادية يشكل مدخلاً مهمًا للتعامل مع الكيانات التابعة للتنظيم الدولي، ومن الأجدر أن تكون فاعلية المواجهة مع العناصر الموجودة في الداخل التي لديها تحالفات مع أقطاب في السلطة الحاكمة لأن 90 في المئة من أموال الإخوان في السودان جرت سرقتها من خزينة الدولة ولا بد من عودتها بينما أموال حماس جاءت من الخارج ونمت في الداخل.
وحملت خطوة استهداف أموال حماس في السودان رسالة للحصول على المزيد من الدعم الأميركي والإسرائيلي، ودليلا على جدية الخرطوم لعدم العودة إلى الوراء.
ماهر فرغلي: أموال حماس تحولت إلى داعم خفي لعمليات التخريب
ووجدت دوائر عديدة في الخرطوم أن استمرار حالة “اللاسلم واللاحرب” مع عناصر الحركة الإسلامية قد تكون له عواقب وخيمة على مستوى الدعم الدولي للسودان في مجالات سياسية واقتصادية مختلفة، وأن هدم الأسس التي قامت عليها المرحلة الانتقالية لن يكون في صالح المكونات الموجودة في السلطة حاليا، ما دفع باتجاه اتخاذ إجراءات تثبت ثقة المجتمع الدولي في أطراف الحكم الانتقالي، وكان رأس الحربة الآن استهداف أموال حماس.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي لـ”العرب” إن السودان أدرك خطورة ترك المنظومة الاقتصادية للتنظيم الدولي للإخوان وعدم تفكيكها بعد أن تعرضت المرحلة الانتقالية إلى عثرات لعب فيها المال السياسي دوراً مهمًا في وضع المزيد من القيود أمام السلطة.
وكشفت تفاصيل المحاولة الانقلابية العسكرية الفاشلة التي وقعت الثلاثاء عن دور لفلول البشير في الدفع نحو الاستيلاء على السلطة، وأن الأموال التي أنفقت من قبل الحركة الإسلامية أشارت إلى خطورة استمرار الصمت عن التصرفات التي تقوم بها عناصرها من داخل السودان أو خارجه، وظهرت ملامحها في شرق البلاد.
وأضاف فرغلي في تصريح لـ”العرب” أن الشركات التي حاول نظام البشير تقويتها بحجة دعم المقاومة الفلسطينية تحولت أموالها إلى ستار خفي لدعم عمليات التخريب المستمرة في مناطق سودانية متفرقة، وأن حالة الانفلات الأمني الأخيرة وصولاً إلى محاولة الانقلاب ستقود للوصول إلى المزيد من خيوط أموال التنظيم الدولي ومساراتها التي توجه إلى قطاعات تستهدف استمرار هيمنته على مفاصل الخدمة المدنية وقد تكون الخطوة نوعًا من الضغط على القوى التي تُشعل الأوضاع في شرق السودان، وأن الدور حتما سيصيبها قريبا.
وتصاعدت حدة التوترات الأمينة في السودان الأسبوع الماضي وانتقلت شرارة الاحتجاجات والاعتصامات إلى مناطق متفرقة ولم تفلح الجهود البطيئة للسلطة الانتقالية في إخماد غضب مكوّنات قبلية في شرق البلاد محسوب أغلبها على نظام البشير البائد.
وشهدت الخرطوم درجات من الانفلات الأمني جعلت هناك حاجة إلى التحرك عبر قرارات تحمل صبغة حاسمة للتعامل معها وسط غياب التوافق على الخارطة التي تتشكل منها السلطة الانتقالية.
وذكر ماهر فرغلي لـ”العرب” أن السودان سيجد صعوبة في التخلّص من إرث التنظيم الدولي للإخوان، فهناك بيئة لم يجر تفكيكها تماما أو التعامل معها بجدية بعد أن استمر الإخوان في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود، كما أن وسائل الإعلام الإخوانية تمضي في بث سمومها وتتعامل مع استهداف أموال حماس كخطوة معادية للإسلام والمقاومة، ما يقود إلى طول أمد المواجهة.
ربيع حماس في السودان ذهب مع البشير
وأشارت لجنة إزالة التمكين إلى أن حماس بدأت نشاطها في السودان عبر شركات تعمل في قطاع الإسمنت قبل أن تتحول إلى مشاريع عقارية كبيرة ومتشعبة، على رأسها شركة “الرواد”.
وأدارت عناصر حماس شبكة شركات ضخمة تضم نحو 10 هيئات كبيرة يملكها حليف الرئيس المعزول عمر البشير، وهو عبدالباسط حمزة الذي نقلت إليه مبالغ كبيرة من خلال حسابات بنكية أجنبية، وثمة شبكة ثانية تصل قيمتها إلى 20 مليون دولار أدارها اثنان من أعضاء حماس حصلا على الجنسية السودانية ومارسا الكثير من الأعمال التجارية وبرعا في مجال العقارات.
واستشعرت السلطة الانتقالية أن المزاج العام في المنطقة العربية يلفظ تيار الإسلام السياسي والتنظيم الدولي للإخوان وفروعه، وأن رهان بعض قيادات المكون العسكري في السلطة على المنظومة الاقتصادية والاعتماد على ما تبقى من شعبية للتنظيم في البلاد كظهير شعبي لن يكون مناسبا في أجواء تسير رياحها في الاتجاه المضاد.
وتدرك هذه القيادات معنى الدعم الدولي الذي جاء عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة لمؤازرة الحكومة المدنية، بينما لم يحظ المكون العسكري بالقدر ذاته من المؤازرة لتصديه للانقلاب وتفويت الفرصة عليه.
وقد تكون هذه المعطيات سببًا في إطلاق يد لجنة إزالة التمكين في التعامل مع المزيد من حسابات التنظيم الدولي وأمواله في إطار حاجة العسكريين إلى تدعيم شراكتهم مع القوى المدنية وعدم قطع الخيوط مع أطراف دولية مؤثرة، والتأكيد أن مجابهة التنظيمات الإرهابية هدف يمكن أن تتوحد من أجله كل القوى الفاعلة في السودان