العلاقات السودانية المصرية وتباين الرؤية
أصبح راسخا في أذهان القوى المدنية بالسودان أن مصر كانت مساندة لانقلاب قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ولم يفلح بيانها الأول في الدعوة إلى ضبط النفس والحفاظ على أمن واستقرار السودان في إقناع هذه القوى بأنها على مسافة واحدة من العسكريين والمدنيين، كما أخفق بيانها الثاني الأحد، بعد التوقيع على اتفاق سياسي أعاد رئيس الحكومة عبدالله حمدوك في تبديد هواجس سابقة، والذي ثمّن هذه الخطوة التي أنهت أزمة محتدمة عصفت بالبلاد.
لم يفلح النأي المصري الظاهر عن أزمات السودان الداخلية في تكذيب المعلومات المتداولة حول دعمها قائد الجيش أو تفضيلها التعامل معه، من واقع الأهمية الحيوية التي تقوم بها الجيوش في الحفاظ على الأمن القومي للدول، وليس حبا في البرهان أو كرها في حمدوك
زادت الفداحة السياسية مع نشر صحيفة “وول ستريت جورنال” بعد أيام قليلة من انقلاب البرهان معلومات أشارت إلى قيامه بزيارة سرية إلى القاهرة عشية الانقلاب، وأنه تلقى تطمينات من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالوقوف معه ودعم خطوته.
مصر عليها البحث عن طريقة لا تحصر رهاناتها على الجنرالات لأن الفترة المقبلة قد تشهد انخفاضا في أدوارهم السياسية
وقالت الصحيفة الأميركية إن مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل زار الخرطوم قبل الانقلاب، والتقى البرهان وأبلغه أن “حمدوك يجب أن يرحل”، معربا عن استياء المصريين منه بسبب انفتاحه على إثيوبيا في قضية سدّ النهضة.
تفاعلت هذه المعطيات سريعا، ولم تجد من القاهرة ردودا تدحضها، أو تثبت أنها على مسافة واحدة من القوى المتصارعة سياسيا في السودان، وجاء عدم توقيع مصر على البيان الرباعي الذي أصدرته الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، ليضاعف من شكوك القوى المدنية في النوايا المصرية، حيث طالب البيان البرهان بالتراجع عن عزل حمدوك والعودة إلى ما قبل إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر.
وكان رد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على عدم توقيع القاهرة على البيان مراوغا، حيث طلب من الصحافيين توجيه السؤال إلى وزير الخارجية المصري سامح شكري، والذي أجاب بطريقة غائمة، فحواها أن بلاده لم تأخذ علما مسبقا به، ولم تشارك في صياغته، وعززت إجابة بلينكن الفضفاضة، وإجابة شكري غير المقنعة بأن القاهرة لم تكن موافقة على الصياغة التي خرج بها البيان، والتي انحازت بوضوح إلى جانب القوى المدنية، وحملت إدانة لإجراءات البرهان.