الغرب وتشكيل السودان الجديد لا اسلام فيه
إعادة فرز عطاء الفترة الإنتقاليـة!!
تمضي الفترة الإنتقالية في السودان! بخطي وئيدة! نحو تمديد جديد بموجبه ستبلغ من العمر الإنتقالي عتياً، وربما سيجد القائمون علي هندستها أنهم مضطرين للإعتراف مجدداً أنهم إنما يؤسسون لشئ ما، سَمهِ إن شئت “سوداناً جديداً” أو سوداناً بلا إسلام وبلا إسلاميين! وهي المهمة التي كان قد إنتدب لإنجازها الدكتور عبد الله حمدوك في العام 2019 لكنه فشل! ويجري الآن البحث عمّن يكون مناسباً لإستكمال المشوار!!
في أغسطس 2019 جري وضع اللمسات الأخيرة علي خطة إعادة صياغة الأوضاع في السودان! إثر سقوط حكم الإنقاذ! وللتذكير فقد أشرف علي تلك اللمسات مجموعة الترويكا الغربية وحلفاؤهم الإقليميون والذين تولوا كِبَر ترميم إتفاقٍ سياسي بين المجموعة العسكرية التي قادت الإنقلاب في أبريل من ذلك العام وبين عناصر محلية تقودها مجموعة ناشطين وقادة أحزاب يسارية إقصائية، حيث أنتج هذا الهجين غير المتجانس ما عُرف بالوثيقة الدستورية.
وبعد إجازة تلك الوثيقة وصل “المؤسس” من مهجره وبدأت خطوات “التأسيس” بإعادة صياغة المنظومة التعليمية والتشريعية في السودان بحيث يتم إستبدال الهوية الثقافية والقيم الغالبة للمجتمع السوداني بهوية وقيم متسقة مع آخر صيحات القيم الغربية الداعية إلي إلغاء الموروث الأسري وإباحة المحرمات وحرية الشذوذ وخلاف ذلك من قيم الليبرالية الجديدة! كما بدأت خطوات ما سُمي بإعادة إدماج السودان في المنظومة الدولية! سواء من خلال التطبيع مع إسرائيل أو بدفع الفدية المالية التي تم تخصيصها لرفع إسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب! أو من خلال إنخراط البلاد إقتصاديا ً في تنفيذ وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين!
لم يمضِ وقت طويل حتي بدأ الخلاف يدب بين الشركاء الذين رسى عليهم عطاء قيادة الفترة الإنتقالية وإنجاز مشروع التغيير المنتظر! بعد أن تَوَهم كل واحدٍ منهم أنه المالك الفعلي لمشروع التغيير! وحينما إستعصي الفتق علي الراتق! أضطر المُلاّك الحقيقيون لإعطاء الضوء الأخضر لفض تلك الشراكة غير المنتجة! ومنذ ذلك التاريخ والأطراف المختلفة تبحث عن “الدليل الإرشادي” الذي سيتم بموجبه ترسية العطاء علي فريق جديد! أكثر تأهيلاً، حتي ظهر علينا السيد فولكر بيرتس بمشروع مشاوراته التي قال إنه سينخرط فيها جميع من أسماهم الفاعلين الرئيسيين، حتي بلغت مبادرات حل الأزمة الآن نحو سبع أو يزيد !!
هذا هو السياق الذي خرج علينا فيه! قبل يومين! ممثل المجموعة المالكة للنصيب الأكبر من مشروع التغيير! السيد فولكر بيرتس! ليكشف جانباً من دليله الإرشادي الذي يتعين علي أصحاب المبادرات الإسترشاد بما جاء فيه من خلال ما أسماها “ورقة تلخيصية : مشاورات حول عملية سياسية للسودان”، وقد كان لافتاً أن المشاورات التي هندسها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة دعم الإنتقال! تربط ربطاً وثيقاً بين إنتهاء الفترة الإنتقالية وبين ما أسماه المهام التي يتعين إنجازها قبل تلك النهاية! وهنا أقتبس: (وقد تفاوتت الآراء حول مدة الفترة الإنتقاليـة بين سنة وست سنوات بما في ذلك الإبقاء علي الإنتهاء في 2023، مع تفضيلٍ قويّ لفترة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات! لكن أكد البعض أنه سيكون من السابق لأوانه تحديد جدول زمني صارم لإستكمال مهام العملية الإنتقاليـة لأن الإطار الزمني المناسب يجب أن يكون مرناً ومرتبطاً بالمهام التي يتعين إكمالها خلال الفترة الإنتقالية).
لست هنا بصدد الدخول في تفاصيل “الورقة التلخيصية” ولا بالبحث وراء “أصحاب المصلحة” الذين إستقبلتهم البعثة الأممية للتشاور بشأن الخروج من المأزق الذي أوقع فيه ناشطو قحت كفلاءهم، لكني معني بعبارات التوصيف الفضفاضة التي صاغت بها البعثة تقريرها من شاكلة “الأغلبية الساحقة”، رغم علمي أن ذلك مما تقتضيه طبيعة المهمة الموكولة للبعثة ومتطلبات المسرح الذي رسم الكفلاء حدوده وهندسوا ديكوره! وأصبحوا بالتالي هم الطرف الذي يحدد المهام التي “يتعين إكمالها خلال الفترة الإنتقالية” تساعدهم في ذلك قوي سياسية محلية إختارت لنفسها أن تنخرط في تنفيذ أجندتهم، ومعني كذلك بالتعليق على بعض ما جاء في الدليل الإرشادي أو إن شئت سمه “كراسة الشروط الجديدة” التي تريد بها البعثة! ومن يقفون وراءها، إعادة هندسة الفترة الإنتقالية.
في الورقة الإرشادية زعمت البعثة الأممية أن إستشاراتها خلصت إلي “توافق علي ضرورة إستمرار إستبعاد حزب المؤتمر الوطني من المشاركة في هذه العملية الإنتقالية”، هكذا وبعبارات غامضة! تريد البعثة أن تعزل المؤتمر الوطني من المشاورات حول قانون الإنتخابات وحول صناعة الدستور وحول كيفية حكم السودان! وكأن المؤتمر الوطني أو المنتمين له من كوكب آخر وغير معنيين بالكيفية التي يراد بها تقرير مستقبل بلادهم وكيفية حكمها !!
قلت من قبل! وأكرر هنا، أن البعثة الأممية وبتواطؤ من السلطة الحاكمة! غير جادة في دعم تحول ديمقراطي حقيقي! بدليل أنها منذ وصولها الذي مضي عليه أكثر من عام، لم تبذل جهداً مقنعاً لتهيئة الأوضاع في البلاد لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة وذات مقبولية ومصداقية! ولا شك أن الأطراف التي تولت السلطة تتحمل ذات القدر من الإتهام وربما أكثر! بدليل أن هذه الأطراف – وقد إنقضت الآن ثلاث سنوات من عمر الإنتقال أو كادت – لم تُرسِ سلاماً شاملاً ولا حرية كاملة ولا عدالة مستقيمة! ولا أظنني بحاجة إلي إيراد شواهد علي الفشل في إنزال أبرز شعارات التغيير علي أرض الواقع! ويكفي أن نشير إلي أن مؤسستي التشريع والقضاء معطلتين و تتحكم في أدوارهما السلطة التنفيذية! منذ عهد حمدوك وإلي يومنا هذا، وأن السلام مازال غير قادر علي الوقوف علي رجليه !!
الآن يحاول الكفلاء – عبر البعثة – أن يمهدوا للوصول إلي وثيقة دستورية جديدة بموجبها تبدأ فترة إنتقالية جديدة يرتبط أجلها ب “إنجاز مهام الإنتقال” غير المسماة أصلاً، أو تلك التي يتوقف إنجازها علي توفر الإرادة السياسية لدي طرفي معادلة السلطة! وهم هنا طرف خارجي يحاول أن يملي رغبته علي طرف داخلي! بينما الطرف الداخلي غير قادر علي لجم التدخل الخارحي! وقد إقتضت محاولة التمهيد هذه أن تستمع البعثة إلي قائمة طويلة من الأطراف المشمولة برضاها السياسي وتخرج علينا بورقتها التلخيصية المشار إليها، لتكون هي – الورقة – بمثابة الدليل الإرشادي أو الإطار المرجعي الذي يتعين علي أصحاب المبادرات أن يعدلوا في عروضهم لتستجيب إلي القدر الأكبر مما جاء فيه! مع إن صاحب العطاء ليس ملزماً بقبول أعلي العروض !!
لا شك أن جميع السودانيين هم أصحاب مصلحة في إنجاز مهام الإنتقال وتحقيق التحول الديمقراطي! والحال هكذا، يتعين أن تكون البعثة أكثر شفافية وأكثر التزاماً بمقتضي المواثيق الدولية التي تساوي بين الناس في الحقوق وأن تلغي من قاموسها عبارة “أصحاب المصلحة” وأن تعمد مباشرة لتحديد مهام الإنتقال التي ستدعمها بشكل دقيق! وعلي السلطة الحاكمة أن تسمي أجلاً قطعياً لنهاية الفترة الإنتقالية! ثم تشرع دون إبطاء في إنفاذ مطلوبات الإنتقال وعلي رأسها إكمال المؤسسات التي وردت في الوثيقة المخرومة! وإلا فستظل “شروط قبول العطاءات” هذه متحركة! ولن تقف حساسية الخارج عند حد عزل “الوطني” بل ستتعداها إلي “الوطنية” فيبقي متحكماً في الأجندة الوطنية كلها، وسينتهي بنا الحال إلي ما إنتهي إليه في البلدان التي أصبحت مضرب الأمثال!!
العبيد أحمد المروح