بعد عام على رحيل سليماني وقرب مغادرة ترامب بغداد تخشى انفجار الوضع مجددا
في الثالث من كانون الثاني/يناير 2020، انفجرت التوترات الكامنة بين واشنطن وطهران في بغداد باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد العراقي أبو مهدي المهندس..بعد عام على الضربة الجوية التي نفذتها واشنطن، يخشى العراقيون انفجارا أمنيا جديدا.
مع اقتراب الذكرى السنوية لمقتل الرجلين، يقول كثيرون في العراق إنهم يخشون الأسوأ، خصوصا خلال الفترة المتبقية للرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي أمر بالاغتيال، في البيت الأبيض.
بعد عملية الاغتيال، خسر العراق الرجل القريب من طهران والذي كان يضبط الفصائل الموالية لإيران، وصار له رئيس حكومة جديدة أكثر قربا من الولايات المتحدة هو مصطفى الكاظمي.
وتفاقمت التوترات بعد ذلك: فالبلد الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية مع انخفاض أسعار النفط، عالق بين رئيس وزراء بدون قاعدة شعبية أو كتلة برلمانية، ومجموعات صغيرة جديدة موالية لإيران لم تعد تستجيب لأحد في بغداد.
وتتهم الفصائل الموالية لإيران الكاظمي بشكل علني بالتواطؤ في اغتيال الرجلين. وكان الكاظمي حينها يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات، وهو أول من أبلغ رئيس الحكومة آنذاك عادل عبد المهدي بما حصل.
ويحذر الباحث في مؤسسة القرن سجاد جياد من أنه إذا “ما حدثت حالة من التصعيد، فمن المرجح أن تنهار الحكومة أو تزاح”.
ويضيف أن “احتمال انهيار الحكومة كبير. الجماعات الصغيرة (الموالية لايران) لها حلفاء سياسيون يمكنهم الإطاحة بها”.
وأظهرت المواجهة الأخيرة بالفعل مدى خطورة الوضع بالنسبة لدولة يواجهها مسلحون تمرسوا بالقتال من خلال قتال تنظيم الدولة الإسلامية بين 2014 و2017.
تقطيع اذنيه
في نهاية كانون الأول/ديسمبر، اعتقلت السلطات مقاتلًا من عصائب أهل الحق، أحد أقوى فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران والتي تشكل جزءا من القوات الأمنية العراقية.
وقال مسؤول عراقي لوكالة فرانس برس في حينه إن الرجل متهم بالتخطيط لإطلاق قذائف على مصالح أميركية في البلاد.
على الأثر، نشرت عصائب أهل الحق رجالها في شوارع بغداد. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمقاتلين يضعون أقنعة ويحملون أسلحة، يقولون “نحذر الكاظمي إذا لم تتراجعوا عن هذا العمل القذر سوف ينزل عليكم عذاب الله بيد المجاهدين. وقد أُعذر من أنذر”.
وانضمت كتائب حزب الله، أكثر الفصائل تشددا، الى عصائب أهل الحق، وأطلقت تهديدات قاسية جدا في حق رئيس الوزراء على لسان المتحدث باسمها أبو علي العسكري.
وقال العسكري في تغريدة “ندعو الكاظمي الغدر ألا يختبر صبر المقاومة، فاليوم مناسب جدا لتقطيع أذنيه كما تقطع آذان الماعز”.
ومع أن الكاظمي أجاب على التهديدات بتغريدة يدعو فيها الى التهدئة، إلا أنه شدد على أنه مستعد “للمواجهة الحاسمة إذا لزم الأمر”.
لكن خاب أمل الكثيرين عندما ذكرت مصادر أمنية أن اتفاقا جرى بين العصائب والحكومة ينص على تسليم المتهم الى مديرية أمن الحشد.
وأعادت هذه الحادثة الى الأذهان حادثة أخرى وقعت في حزيران/يونيو، عندما اعتقلت قوات مكافحة الإرهاب 13 عنصرا من كتائب حزب الله بتهمة تنفيذ هجمات صاروخية على السفارة الأميركية في بغداد. ثم أفرج عنهم بعد أقل من 72 ساعة.
وقال مسؤول سياسي لوكالة فرانس برس “الشارع ملّ هذه التصرفات خارج القانون ويريد حسمها بأسرع وقت، لكن لا توجد قيادة صلبة، والجيش لا يتحرك إذا لم ير قيادة شجاعة، وكذلك الأمر بالنسبة الى باقي الأجهزة الأمنية”.
ونتيجة عدم وجود قدرة سياسية وعسكرية على المواجهة المباشرة مع الفصائل المسلحة، اختار الكاظمي فتح قنوات اتصال مع ايران أملا في حملها على التدخل لكبح جماح الفصائل.
وزار المبعوث الرئيسي لرئيس الوزراء أبو جهاد الهاشمي إيران قبل أيام، والتقى عددا من المسؤولين الإيرانيين، على ما ذكر مسؤول عراقي رفيع المستوى لوكالة فرانس برس.
بالنسبة لجياد، حاول الهاشمي إقناع إيران بكبح حلفائها في العراق ووقف الهجمات على الدبلوماسيين والجنود الأميركيين.
فشل بوقف التصعيد
وبدأت الهدنة التي وافقت عليها فصائل موالية لإيران لوقف الهجمات الخريف الماضي، بالتلاشي بالفعل بعد سلسلة هجمات استهدفت السفارة الأميركية وقوافل لوجستية عسكرية.
وذكر مسؤول عسكري أميركي لوكالة فرانس برس بأنه حتى خلال “الهدنة”، كانت طائرة استطلاع بدون طيار تحلق مرات عدة كل أسبوع فوق السفارة الأميركية والمجمع العسكري المجاور الذي تتواجد فيه قوات دولية.
وقامت السفارة الأميركية في بغداد التي تعد إحدى أكبر سفارات الولايات المتحدة في العالم، مع نهاية العام الماضي، بإعادة موظفيها غير الأساسيين الى بلادهم.
وشهدت في 31 كانون الأول/ديسمبر 2020، أكبر خرق أمني منذ سنوات عندما داهم حشد غاضب، غالبيته من المؤيدين لكتائب حزب الله، محيط السفارة وأضرموا النيران عند بوابة السفارة.
بعدها بيومين، جاءت الضربة الجوية التي قتل فيها سليماني والمهندس.
وتحدث الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب هذا الأسبوع في تغريدة، عن “ثرثرة حول هجمات إضافية ضد أميركيين في العراق”، مضيفا “إذا قتل أميركي، سأحمل إيران المسؤولية”.
وأبدى مسؤول عراقي لوكالة فرانس برس نهاية الاسبوع تخوفه من أن يلجأ المسؤولون الإيرانيون الى التصعيد، بما في ذلك هجمات صاروخية متجددة، بهدف ممارسة ضغط على الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
وكان مسؤولون عراقيون ذكروا قبل أسابيع، أن خفض السفارة الأميركية عدد موظفيها، هو بسبب “تحفظات أمنية”، وهو إجراء موقت.
وقال مسؤولون عراقيون وغربيون لوكالة فرانس برس في الأسابيع الأخيرة إن ذلك قد يشير إلى استعداد الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري.
وقال دبلوماسي غربي “ستحتاج الولايات المتحدة إلى إخراج موظفيها قبل أن تتصرف، حتى لا يتم استهدافهم في أي انتقام محتمل”