بين العمال وأسعار الدواء!!….
الكاتب : عماد الدين ميرغني
ها قد مررنا بذكرى عيد العمال في ظل هذه الجائحة التي أوقفت العالم تماماً عن أي حركة في ظل خطورة هذا الوباء وانتشاره بين البشر، والفتك الذي يحدث في كل يوم بحسب القراءة اليومية للإصابات والوفيات.
وتأثير هذه الجائحة على السودان أشد وطأةً مُقارنة ببقية دول العالم المتطورة، إذ أن السودان يعاني من الانهيار الذي خلّفه النظام البائد.
الأمر الذي جعل السيد وزير الصحة الدكتور أكرم التوم يتحدث بنبرة شديدة اللهجة فيما يخص مسببات إنتشار الوباء من حركة المواطنين والتجمعات التي ما زالت حاضرة في العديد من شوارع العاصمة وشوارع الولايات.
وبين العمال وعيدهم الذي احتفى به الكثيرون في الإسافير؛ والنظام الصحي في السودان؛ بعض الخيوط التي من المفترض أن تُربط مع بعضها البعض، لنفهم ما تحتاجه هذه الدولة تحديداً.
عصب النهضة
ولنعلم تماماً أن العمال في مختلف مجالاتهم هم الكادر البشري الذي يُعتبر عصب أي نهضة وتقدم لأي دولة، لابد من أن يكونوا على أعلى درجة من حيث نيل الحقوق والقيام بتلك المهام التي تساعد على رفع سلم التطور.
بالأمس أعلن الدكتور أكرم التوم إلغاءه لأي زيادة في سعر الدواء حرصاً على إمكانيات المواطنين التي لا تتحمل أي زيادة في الأسعار تُلقى على عاتقهم، الأمر الذي سيكون أكثر ثِقلاً في ظل هذه الظروف القاسية التي يبحث فيها الجميع عن المخرج الذي يؤدي بهم نحو الرخاء والوفرة.
قد يُحمد الأمر في الوقت الحالي وبذلك يكون الدكتور أكرم التوم قد خدم الشعب خدمة كبيرة في ظل الظروف الحالية، لكن السؤال يبقى فيما بعد، حول كيف سيكون الحل في مواجهة الزيادات المحتملة في مقبل الأيام.
إن الحلول لهذه المعضلة لا تخرج عن تلك الحلول للمعضلة العامة بشأن الإقتصاد السوداني، فالأمر في الأخير يمس الحوجة الأساسية للمواطن، وهو حوجته لوجود ما يضمن صحة وسلامة المواطنين بتوفر العلاج والخدمات الصحية.
ولابد أن يعي جميع من يهمهم الأمر أن الحل يكمن في حضور العقلية المنتجة لتأدية أدوارها المطلوبة والتي ستمثل الخلاص المنشود. فالمنظومة الصحية في السودان هي الأخرى تحتاج لهذه العقلية المنتجة بقوة.
غياب الإنتاج
إن الجزء الأساسي في مشكلة توفر الأدوية تكمن في غياب الإنتاج في هذه الدولة، وبمعنى أكثر وضوحاً؛ لابد أن تطال الأنشطة الصناعية مجال الأدوية نفسها. وهذا الأمر تحديداً كان قد بدأ في عهد النظام البائد وإن كانت كل المشاريع التي دشّنها في هذه الدولة تحت مظلة تمكينه.
وهذا يعني أن مجال تصنيع الأدوية ليس من الصعب أن يتم تدشينه مرة أخرى في هذه الدولة، حتى وإن كانت لعدد مقدر منها بالإمكان تصنيعها محلياً، وهو الأمر الذي سينعكس على حركة الإستيراد، بتخفيف ثِقل تكاليف الإستيراد، وبالتالي تكون الدولة قد استفادت بشكل مباشر من إنتاج الأدوية محلياً.
وهنا سيكون للكادر البشري الدور الكبير في استغلال إمكانياته في هذا المجال الضروري تحديداً.
وهذا الكادر البشري موجود بطبيعة الحال في الجيل الحالي المرتبط بالإنفتاح الذي خلقته التكنولوجيا، وبالتالي تكون الدولة قد أدخلت كم كبير من الموارد البشرية في إطار عملية من عمليات الإنتاج التي تحتاجها في ظل هذه الظروف.
وهذه العملية ستكون لها تأثيرها المباشر على النظام الصحي في السودان، إذ أن توفر العديد من الأدوية سيكون له دوره الكبير في إنهاء الإنهيار الصحي في السودان.
وعلى جانب آخر، فإنه من الضروري أن توضع رؤية إستراتيجية لتطوير المرافق الصحية، وأن يخصص جزء مقدر من المجهود لصالح الزيادة في تأسيس المزيد من هذه المرافق بشكل ضخم.
إعادة ترتيب الأوراق
إن هذه الجائحة علّمتنا تماما بضرور أن نعيد نظرتنا ودراستنا للنظام الصحي في السودان، وأنه لابد من تطوير المرافق الصحية إلى حد تأسيس مدن صحية بالكامل؛ بها كل الإمكانيات لمعالجة جميع أنواع الأمراض.
كما أن هذا الأمر ضرورياً بدرجة كبيرة في ظل تخريج الجامعات السودانية لكم كبير من الكوادر الطبية، وهي كوادر بالتأكيد أحوج لها الدولة أكثر من أي دولة أخرى، بعد هجرة كم كبير منها إلى العديد من الدولة في العالم؛ منهم في داخل نطاق الشرق الأوسط ومنهم من هو خارجها تماماً.
كل ذلك يعني أن حل يكمن في وجود العقليات المنتجة في المجال الصحي من مختلف التخصصات، تساهم في وفرة الأدوية بالأسعار الممكنة للمواطنين في حال أن تمكنت الدولة من إعادة تأسيس مجال تصنيع الأدوية، بجانب زخم مشاريع تطوير المرافق الصحية،
وهو ما يجب أن يُخصص لها إحتياطاً نقدياً مقدراً لتنفيذها على أرض الواقع، وكلها تصب في مصلحة المورد البشري من عمال ومهندسين والمتخصصين في المجالات الطبية والصحية.
إن كل الحِزم المطلوبة لهذه الدولة تتطلب إقامة مؤتمراً كاملاً يناقش مثل هذه الرؤى لوضع تلك الخطط الإستراتيجية التي بدورها تضع خارطة الطرق للشروع في تنفيذها على أرض الواقع،
بتكامل الأدوار بين مختلف الكوادر البشرية وبين الدولة التي لابد أن تخصص جزء من الدعم المالي للصحة؛ والتي بدورها تعود بالنفع على المواطن السوداني في قادم السنوات.